Sunday, September 30, 2012

خالد كساب يكتب العدالة.. لماذا هى عمياء؟!



ما يحدث فى مصر هذه الأيام جعلنى أتذكر تلك الحكايه الشهيره التى تختصم فيها سيدتان بعضهما البعض.. وتتنازعان على أمومة طفل.. كل واحده منهما تؤكد أنها هى أمه الحقيقيه.. ولأن إختبار ال « DNA « لم يكن قد ظهر بعد فى تلك الأيام القديمه.. لذلك ذهبتا إلى حكيم الزمان سيدنا سليمان ليحكم بينهما فى ذلك النزاع.. إعتمد الحكيم سليمان على تلك الحقيقه النفسيه الغريزيه التى تنص على أن الأم الحقيقيه لن ترغب فى إثبات أمومتها بقدر رغبتها فى عدم تعرض طفلها للأذى أو للألم.. وبناء عليه طلب سيدنا سليمان من السيدتين أن تقوما كلتاهما بشد الطفل من إحدى يديه ومن تنجح فى شده إليها تكون هى أم الطفل الحقيقيه.. أشفقت الأم الحقيقيه على طفلها من تلك الفرهده والبهدله والشد والجذب.. فرفضت وتنازلت عنه للسيده الأخرى.. فعرف سيدنا سليمان أنها هى الأم الحقيقيه.. وأمر بإعطاءها الطفل وسجن السيدة الأخرى.. إنه حكم الحكمة.. والكلمات التى يفترض فيها أن تشير إلى العداله مثل «الحكم» و«المحكمه» ليست سوى مشتقات لغويه من الكلمه الأم.. «الحكمه» !
أسرح فى مدى حكمة التصرف الذى تصرفته الأم الحقيقيه.. هل كان ينبغى عليها أن تتنازل عن طفلها بتلك السهوله خوفا عليه من الشعور بالألم أثناء عملية الشد التى قد لا يتحملها جسده الرقيق؟! طب ماذا لو لم يستخدم سيدنا سليمان حكمته للفصل فى النزاع واكتفى بالإعتماد على تنازل الأم الحقيقيه عن طفلها للسيده الأخرى.. ما الذى كان يمكن وقتها للأم الحقيقيه أن تكسبه من تصرفها ذلك سوى فقدان طفلها للأبد؟! تفيقنى من خيالاتى تلك الحقيقه الهامه التى تنص على أنها حكايه.. مجرد حكايه قديمه لتعليمنا الحكمه.. حكايه تأتى العبره فيها من خلال تصرف سيدنا سليمان وليس من خلال تصرف الأم الحقيقية.. بمعنى أصح المطلوب منا فى تلك الحكاية هو تعلم الحكمة من سليمان.. وليس من الأم.. من منطلق أن تنازل الأم عن طفلها بتلك السهوله إشفاقا منها عليه ليس من الحكمة فى شيء.. ولو لم يكن سيدنا سليمان موجودا فى تلك الحكايه كنتم ستجدون أنفسكم أمام حكايه أخرى تماما.. حكاية يتم الحكم فيها تبعا لمواد القوانين التى اخترعناها نحن أنفسنا ذات يوم من أيام الماضى.. والتى لو كانت هى التى تحكم فى مثل ذلك الموقف لما كانت قد أمرت سوى بضم الطفل إلى الأم المزيفة.. لأن المحكمة مالهاش غير اللى قدامها.. والقوانين التى اخترعناها مالهاش دعوة بالحقائق.. ليها دعوة بالأدلة والوقائع والمستندات.. وكم من أحكام بالبراءة صدرت ضد جناة حقيقيين إلا أنه لا توجد أدلة مادية ملموسة على إدانتهم كما أنه كم من أحكام صدرت بالإدانة ضد أبرياء بجد إلا أنه أيضا لا توجد أدلة ملموسة على براءتهم.. لهذا نرى شعار العدالة عبارة عن سيدة معصوبة العينين وتمسك بالميزان للدلالة على أن العدالة عمياء ومالهاش دعوة غير باللى موجود فى الميزان.. وهو الشعار الذى لم اقتنع به يوما.. حيث ينبغى على العدالة أن تكون مبصرة لترى على الأقل أى من كفتى الميزان فى يدها قد رجح.. إذن.. العدالة عمياء.. بينما حكم سيدنا سليمان مبصر.. وعلى الرغم من تلك القاعدة القانونية التى تنص على أنه الإعتراف سيد الأدلة.. إلا أنه ها هو إعتراف رسمى يتصرف سيدنا سليمان بعكسه بعد أن يرى بأعين حكمته أن الإعتراف كاذب بسبب خوف الأم الحقيقية على إبنها من الشد والجذب والشعور بالألم.. لهذا تصرف تلك السيدة بهذه الطريقة وصدور الحكم بتلك الكيفية التى ترتكز على الحكمة وليس على القانون الجامد كانا رهنا بوجود سيدنا سليمان فى الحكاية !
الآن.. وبينما مصر الجميله والعظيمه قد باتت أشبه بذلك الطفل الذى يتجاذبه الجميع فى خضم تلك الخناقة اللى ما حدش عارف لها أول من آخر.. ما الذى ينبغى على أهل تلك البلد الحقيقيين فعله بالظبط؟!.. أن يتركوها للأم المزيفة خوفا على البلد من كل ذلك الجذب والشد؟!.. أم يتمسكون بطفلهم ويفضلوا يشدوا فيه لحد ما يتفسخ نصين فى إيديهم؟!.. إنها ورطة سودا ينبغى أن نتذكر أثناء محاولتنا لحلها أنه مافيش حاليا سيدنا سليمان ليحكم بيننا بحكمته المبصرة.. فلا يوجد حاليا سوى أحكام القانون الذى قررنا التعبيرعنه بتمثال لسيدة معصوبة العينين تمسك بميزان فى يدها.. طبيعى طبعا ما تشوفش الحقيقة.. لسبب بسيط جدا جدا وواضح وضوح الشمس.. إنها مغمية عنيها.. يبقى حتشوف إزاى؟!

No comments:

Post a Comment