Sunday, September 30, 2012

دكتور جمال زهران يكتب اغتيال الحريات فى زمن الإخوان



بعد ثورة 25 يناير 2011، يحدث فى مصر ما لا يصدَّق، وما لا علاقة له بتاريخ الثورات فى العالم كله، فبعدما يتمكن فصيل سياسى -هو آخِر من شارك فى الثورة بعد نجاحها، وأول من غادر الميدان بعد تنحى رئيس الدولة- من الوصول إلى السلطة عبر الصفقات الداخلية مع المجلس العسكرى، والخارجية مع الحكومة الأمريكية بصورة انتهازية فجة وغير مسبوقة، فإن أول قراراته اغتيال الحريات، وهذا مما يحدث بالضبط فى زمن «الإخوان» الذى احتل أحد رموزها مقعد رئيس الدولة وهو د.محمد مرسى!
إن أول كلمة نطق بها الشعب خلال الثورة بل ومن بدايتها هى «الحرية» فى كل شىء، ومارستها الجماهير فى الواقع العملى، حيث بدأت بحرية التظاهر وأصبح حقًّا مكتسبا انتزعه الشعب بإرادته الحرة وبإصراره على كسر إرادة الاستبداد، ثم انتقلت إلى حرية تكوين الأحزاب التى سمحت بخروج أحزاب التيار الإسلامى وفى المقدمة حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، وغيره من الأحزاب الأخرى.
ثم انتقلت إلى حرية الإعلام وسقط الاستبداد داخل الصحافة والإذاعة والتليفزيون واستنشق الشعب نسيم الحرية فى وسائل الإعلام التى يمتلكها وأصبح يرى نفسه فيها، ووجد الممنوعون من دخول التليفزيون وغيره، أنفسهم فى كل البرامج التى بدأت فى تجسيد الحرية فى ممارسة مهنية راقية إلى حد إصرار العاملين فيه على تطهيره من رموز النظام السابق ودعاته وحماته، ونجحوا إلى حد كبير وبمساندة كل الثوار وتشرفتُ أن أكون داعما لهم فى كل وقفاتهم واعتصاماتهم وهم المعروفون بـ«ثوار ماسبيرو»، وشهدت وسائل الإعلام توازنا كبيرا يشهد له أهل الاختصاص والعلم فى هذا المجال، بكل وضوح. وفى التحليل السياسى، يمكن تحليل درجة المصداقية بالمطابقة بين الخطاب المعلن، والسلوك الفعلى. ولذلك لا يمكن الاكتفاء بالخطاب فقط، فما أسهله، وقد أثبت بحكم الممارسة الواقعية فشله فى السيطرة على الخطاب الإعلامى، فقرر السيطرة على جميع وسائل الإعلام الرسمية لحسابه ضاربا عرض الحائط بالمهنية وبحرية الرأى والتعبير والحيادية، ويتضح ذلك من خلال رصد ما يلى:
1- توظيف مجلس الشورى كأداة للسيطرة على الصحف القومية، وهى نفس أداة النظام السابق، بتعيين رجال الإخوان وأنصارهم فى مواقع رئيس التحرير ورئيس مجلس الإدارة فى كل صحيفة، ومن بينهم مهادنون ومستأنَسون وزئبقيون.. إلخ.
والفارق الوحيد بينهم وبين النظام السابق فى الشكل، حيث الزعم بوجود قواعد للاختيار ولكن فاتهم أن الثورة التى طالبت بإسقاط النظام السابق، تستتبع تغيير قواعد النظام من حيث الملكية وأعمال الانتخاب فى تولى المناصب مثلما حدث فى الجامعة وأصر الأساتذة على إعمال ذلك فى الواقع العملى دون سند من قانون النظام السابق، وذلك على خلفية الشرعية الثورية.
وكان من جراء ذلك العصف بالأقلام القوية التى تمتلك الرأى الحر فى مواجهة الإخوان وغيرهم، ومنهم صاحب هذا القلم الذى استبعده رئيس تحرير «الأخبار» بعد انتظام لعام ونصف، وغيره، من الكتابة، فى نفس الوقت الذى أُفسح فيه المجال فى كل الصحف لقيادات إخوانية -لا علاقة لها بالكتابة- لنشر مقالاتهم بانتظام!
بل تغيرت مانشتات الصحف لصالح الرئيس وجماعته الإخوان، وتم تأميم الدسك المركزى الذى فقد المهنية وفترة الحرية التى تولدت مع الثورة، وعاد مرة أخرى إلى ممارسات النظام السابق، وكأن ثورة لم تحدث بعد!!
2- تعيين وزير الإعلام من قيادات الإخوان، وذلك للسيطرة على الآلة الإعلامية الضخمة وتأميمها لصالح الجماعة والرئيس مرسى. ومن الواضح أن حكومة قنديل التى تضم صلاح عبد المقصود وزيرا للإعلام من جماعة الإخوان، تصر على هدم المهنية فى الإعلام واغتيال قيم الحرية. وهنا فإن رصد أحاديث وزير الإعلام الإخوانى يكاد يصل بنا إلى حيادية هذا الرجل، ولكن برصد أفعاله نجد أنه جاء بأجندة «التأمين والاغتيال» للحرية والمهنية، وأصبح معاديا للثورة ومطالبها، مؤكدا ما كان يُشاع عن جماعة الإخوان أنها ضد الحرية فى كل مجالاتها.
ومما هو ثابت فى هذا الشأن، أن أول عمل قام به وزير الإعلام الإخوانى، أن استدعى رئيس قطاع الأخبار إبراهيم الصياد، وأبلغه بالمحظورات الثلاثة: حظر نقد الرئيس (المقابل شكره وتمجيده وتأليهه كالعادة السابقة)، وحظر نقد جماعة الإخوان المسلمين ورموزها وتاريخها منذ عام 1928 وحتى الآن (المقابل تأليه الجماعة والإشادة بها وبرموزها.. إلخ) وحظر نقد برنامج المئة يوم الذى وضعه الرئيس والتلاعب بالموعد حتى ينسى الشعب هذا الموضوع (المقابل التركيز على الإنجازات وتضخيمها وتحميل أطراف مجهولة مسؤولية ما يحدث). كما طالبه بمراجعة جميع الضيوف فى سياق هذا التوجيه، واستبعاد ما يتعارض مع ذلك، ومراقبة الضيوف الذين يخرجون على ذلك، باستبعاد ما يتعارض مع ذلك، ومراقبة الضيوف الذين يخرجون على ذلك، باستبعادهم. فى ما بعد!! وتم إعداد قائمة بالمستبعَدين، وأتشرف بأن أكون أول المضطَّهَدين حيث لم أعد من ضيوف كل البرامج التى كانت تحرص على استضافتى بعد خلع مبارك، ولم يكن يمر الأسبوع إلا وكنت مشاركا فى نحو ثلاثة برامج على الأقل، لنعود بعد ذلك إلى نفس ممارسات النظام السابق الاستبدادى الإرهابى لقوى المعارضة بمختلف فصائلها.
وحتى لا يتصور أحد أن هذه مسألة شخصية، فإن الجماهير الأذكى يقابلوننى فى الشارع ويسألوننى عن أسباب الاختفاء من برامج التليفزيون، فأقول لهم: مثلما استبعدوا قلمى من «الأخبار»، استبعدوا رأيى من التليفزيون!! لكنهم يصرون على عدم السكوت وفضح هذه الممارسات الإرهابية.
وأؤكد وقائع الاتصال بى من إحدى المعدَّات فى برنامج «يسعد صباحك» فى القناة الثانية، وتحدد الموعد ثم أُلغى، وكذلك اتصال آخر من زميلة لها فى نفس البرنامج وتحدد الموعد ثم أُلغى. وفى قناة النيل الثقافية تحدد الموعد وحضرت، ولأننى كنت قد أبلغتهم أننى مضطر إلى المغادرة فى التاسعة مساء حسب الاتفاق، وجدتهم بعد وصولى قبل الموعد وحتى موعد المغادرة، لم أخرج للشاشة وكان معى من شهود الواقعة (انتظار لأكثر من ساعة وربع) د.مجدى قرقر، وأ.سليمان الحكيم، وغادرت فى موعدى!!
وبعد أسبوعين من تولى الوزير، دعانى الثوار الإعلاميون فى ماسبيرو، لمشاركتهم وقفتهم الاحتجاجية أمام التليفزيون لمناهضة «أخونة» الجهاز وحضرت بالفعل وبمشاركة د.كريمة الحفناوى، والشاب الثورى معاذ عبد الكريم ويبدو أن هذه المشاركة مع مواقفى وتصريحاتى وآرائى، كانت عاملا مهما فى وضعى على قائمة المحرومين من مخاطبة الشعب المصرى عبر تليفزيونه.
وقد ذكَّرنى ذلك بقائمة الممنوعين أيام المخلوع، وواجهنى الوزير أنس الفقى بوجه مكشوف قائلا لى: «أما تبقى بتاعنا.. نبقى نجيبك عندنا كل يوم»!! تأمّلوا هذه الكلمات التى تؤكد مفهوم العِزبة التى كان يمتلكها النظام السابق وكان ردى عليه مفحما وواضحا: «أنا لا أريد تليفزيونك.. فغدا سيتحرر وهو يوم ليس ببعيد»، فرد علىَّ بسماجته المعهودة (بياع الكتب والموسوعات) «إبقى قابلنى»!!
3- إرهاب الخصوم، والسعى نحو خلق معارضة مستأنسة، ولهذا حديث يطول، ولهذا علاقة بالتفكير فى عودة حالة الطوارئ، وقانونها، وإلغاء المظاهرات بقانون!
وعلى أى حال، فإن الإرهاب الذى نعيشه الآن فى ظل الإخوان، وفى ظل الرئيس الإخوانى الذى يعمل لصالح دعم الجماعة، وتحقيق السيطرة والتمكين والاستحواذ، هو جزء من فلسفة الإقصاء للآخر عبر اغتيال الحريات التى راح ضحيتها ألف شهيد و15 ألف جريح ومصاب، بخلاف السحل والتعذيب وكشف العذرية.
الثورة مستمرة، وحتى النصر بإذن الله وهو آتٍ عما قريب وما زال الحوار مستمرا ومتصلا.

No comments:

Post a Comment