Friday, September 28, 2012

خالد البري يكتب «دستور مفاخذة الصغيرة»: ندفع ثمن فشلهم الحتمى!




لدى الإسلامجية خوف رهيب من الفشل! أستطيع أن أرده إلى أسباب كثيرة، لكننى 

سأكتفى بالسبب المباشر. أنهم يعلمون أن ممارستهم السياسية التى بنوا عليها شعبيتهم 

ممارسة منافقة لا يمكن أن تثبت لاختبار التجربة الحقيقية. كيف هذا؟ أوضح، أبن، أفصح!

سأعطيك مثلين بسيطين فى مجالين مختلفين.

حين كان الإسلامجية فى المعارضة كانوا يُشكَرون على كل أنبوبة بوتاجاز يقدمونها. بنفس القدر، سيُلعَنون بعد أن صاروا فى السلطة على كل أنبوبة لن يقدموها. سيلعنون أكثر من أى سلطة غيرهم. لأنه استقر فى وعى الناس أنهم قادرون على تقديم أنابيب البوتاجاز. وسوف يفسر «البسطاء» الموضوع على أنهم وصلوا إلى السلطة وتكبروا.

حين كان الإخوان فى المعارضة كانوا يكسبون رصيدا من الهتاف، مجرد الهتاف، مطالبين بطرد سفير هذه البلد أو تلك. إذ صاروا فى السلطة صاروا يفقدون بنفس القدر رصيدا فى كل مرة يتكرر الموقف ولا يطردون السفير.

وهنا، على سبيل المثال، فإن أزمة الفيلم ذات دلالة سياسية كبيرة. إنها -بلا أى تهويل- فضيحة للإخوان، خارجيا، وداخليا. لقد حاول الإسلامجية أن يلعبوا وهم فى السلطة نفس لعبة الشعبية الرخيصة التى كانوا يلعبونها وهم فى المعارضة. أرادوا تمرير بنود فى الدستور فأتوا بفيلم لا يساوى تلاتة تعريفة وشحنوا الجمهور ليقدموا أنفسهم بصورة حامى حمى الإسلام ضد الغرب الكافر. لكنهم إذ اصطدموا بأسوار السفارات الغربية أدركوا المعضلة. إنهم الآن فى السلطة وهذا يعنى شيئين: أولا: أنهم أصحاب القرار. فلماذا يتظاهرون؟ إن أردتم أن تطردوا السفير فاطردوه. إن أردتم أن تقطعوا العلاقات مع أمريكا اقطعوها. إن أردتم إعلان الحرب فأعلنوها. أما ثانيا: أنهم -يا للسخرية- المنوط بهم حماية هذه السفارة من الجمهور الذى شحنوه إليها. فبدؤوا يهبلون التهبيل الذى سميته فضيحة. يرسلون رسالة تعزية إلى السفارة فترد عليهم بما يفيد أنها تقرأ رسائلهم العربية إلى جمهورهم أيضا. فلا يجدون إلا اللجوء إلى مزيد من الهبل، التنصل من الشرف الذى ادعوه سابقا، والادعاء بأن من «هاجم السفارة نصر النبى» هم فى الحقيقة الليبراليون. مش إحنا والله يا بيه.

لقد كان منتهى سوء الحظ بالنسبة إلى مبتدئى السياسة هؤلاء أن اغتيل السفير الأمريكى فى نفس يوم التظاهر. فربط المواطن الأمريكى بين هذا والمظاهرات المدعومة إسلامجيا فى مصر. وواجهت الإدارة الأمريكية، فى وقت عصيب (الانتخابات)، السؤالَ الصعب. أليس هؤلاء حلفاءَكم؟ أليس هؤلاء الإسلامجية الوسطيين الذين تدعمون؟ ألم نقل لكم إن «الوسطيين» ما هم إلا ممهدو طريق للجهاديين؟ (تابعت هذا من داخل أمريكا). ولم يكن أمام الإدارة الأمريكية إلا أن تضع ثقلها كله فى الموضوع لإنقاذ فرصتها فى الانتخابات القريبة. وما كان على الإخوان إلا أن يستجيبوا فينشروا إعلانا فى «نيويورك تايمز» (بالمخالفة للأعراف السياسية ولصورة مصر كدولة مؤسسية تخاطب الدول الأخرى من خلال مؤسسة الرئاسة) ويتعهدوا بإجراء تحقيق.

أين موطن العلة هنا؟ ألم يكن هذا ليحدث مع أى قوة سياسية تصل إلى السلطة؟

لا. ليس مع حزب إنسانى يتحدث إلى الناس بالحقيقة، ولا يعدهم ببركات السماء والأرض. ليس مع حزب إنسانى يعرفه الناس بإمكاناته الحقيقية ولا يجمع فلوس الزكاة ويستخدمها فى الدعاية السياسية.

طيب. ما علاقة هذا بالدستور؟ علاقة وثيقة فى الحقيقة. الإسلامجية يعرفون أنهم سيفشلون فى أولى تجاربهم فى الحكم. الإسلامجية يعرفون أن أى انتخابات حرة لن تعطيهم الأغلبية التى حازوا عليها فى الانتخابات السابقة. وأمامهم إما الاستبداد، وليس هذا سهلا فى ظل الظروف الحالية، وإما أن يضعوا كل مشروعهم (وهو معنى بالهوية والمحظورات أكثر من أى شىء آخر) فى الدستور. لأن الدستور صعب التغيير. وحتى، وهذا احتمال بعيد، لو حصلت قوى مدنية مجتمعة على أغلبية فى برلمان قادم، فستكون أغلبية ضئيلة لن تمكنها من تغيير الدستور. على خلاف القوانين التى تتغير بأغلبية النصف زائد واحد. بدافع هذا الخوف، كتب الإسلامجية دستورا حجريا يحقق لهم أحلامهم المعنوية والجنسية. وإلا خاطروا بفقدانها فى جيلهم لو وصلت قوى إنسانية إلى الحكم. لن ينسى الناس فشلهم بسهولة. هذا الدستور هو الثمن الذى يُراد لنا أن ندفعه لتعويض الإسلامجية عن خسارتهم.

No comments:

Post a Comment