Wednesday, October 10, 2012

مرتضى منصور بعد حكم البراءة: الإخوان قتلوا "شهداء الجمل" والسبروت أفسد القضية.. وسأثبت ذلك بالأوراق

مرتضى منصور للبلتاجي: سأكشف كيف قتلتم الشهداء في موقعة الجمل يا محمد يا بلتاجى
قال المحامى مرتضى منصور، في مداخلة هاتفية مع برنامج العاشرة مساء بعد حكم البراءة في قضية موقعة الجمل، إن المستشار محمود السبروت هو الذي أضاع وأهدر دماء الشهداء وافسد قضية الجمل.
واتهم مرتضى منصور الإخوان بقتل شهداء الجمل وقال " يا محمد يا بلتاجى سأكشف كيف قتلتم الشهداء في موقعة الجمل قائلا إن السبروت زور في قائمة الشهود ولم يتق الله في قرار الإحالة وأدلة الثبوت لأنه جمع أشخاصا ومتهمين في القضية لا يحبون بعضهم ويكرهون بعضهم جدا فكيف يرتكبون جميعهم موقعة الجمل.
وقال إن الكلام عن طعن النيابة العامة على الحكم كلام غير صحيح وباطل وأضاف " أنا معايا أوراق ستثبت مين اللي قتل يا محمد يا بلتاجى يا بتاع الحزب المحترم .. وسأكشف مين اللي ارتكب القتل سواء كانت عيشة أو أم الخير".
وقال منصور انه لم يهرب بل كان في منزله وان محمد إبراهيم وزير الداخلية السابق أساء للشرطة قائلا له " فينك يا محمد يا إبراهيم...اللي أول ما اشتغلت اشتغلت على الراجل الغلبان اللي اسمه مرتضى منصور"

Friday, October 5, 2012

أبطال «حرب أكتوبر» المنسيون: 5 أوراق من دفتر الانتصار

في ذكرى انتصار السادس من أكتوبر 1973، ذاقت مصر كلها طعم الفرحة، بعد سنوات عجاف من النكسة المهينة، وقتها وحتى الآن تركزت «الكاميرات» على وجوه بات الجميع يعرفها، كانت تختصر الحرب في مجموعة ضيقة من المقاتلين.
في الحرب، كان الجميع يؤدي دوره، بعضهم فاز بـ«الكاميرا»، وآخرون اكتفوا بأن رفعت مصر رأسها أخيرًا.. من هؤلاء 5 أبطال، صنعوا النصر بدمائهم، وكتبوا شهادة تحرير سيناء، وهزيمة إسرائيل الأولى والأكبر، في السادس من أكتوبر 1973، منهم من لقي ربه، ومنهم من يجلس وسط الأوسمة يتذكر أيام «الفرحة»، ويستعيد شريطاً طويلاً من الذكريات، عن «رفاق الدم»، الذين صنعوا الانتصار وتواروا في الظل.
في هذا التقرير، المفصل، تقدم «المصري اليوم»، جزءاً ربما لا يعرفه الكثيرون من تاريخ هذا الشعب.. تقدمه بالأسماء المجردة لهؤلاء الأبطال، لأن ما فعلوه يظل دائماً، أهم من الرتبة، وأكبر من المنصب، وأكرم من أن ينساه أحد.

أحمد بدوي.. بطل الثغرة يموت في الصحراء
هو ابن الإسكندرية، الذي أصبح أحد أبرز وجوه انتصار أكتوبر، ولد الطفل أحمد بدوي في3 أبريل 1927، والتحق بالكلية الحربية في 1948، ليجد نفسه مع الجيش المصري في حرب فلسطين، يكافحون احتلال «الشقيقة» بسلاح نصفه فاسد، ونصفه قديم.
قاتل الملازم أحمد بدوي في رفح ثم غزة، وبعدها في المجل وعسلوج بفلسطين، وحين هدأت المدافع عُين مدرسًا في الكلية الحربية، وترقى لكبير معلمين في 1958.
في حقبة الزعيم الراحل، جمال عبد الناصر سافر في بعثة إلى الاتحاد السوفيتي، حيث التحق بأكاديمية فرونز العسكرية، وتخرج في 1961، ليشهد النكسة (يونيو 1967)، ثم يحال للمعاش، ويذوق مرارة الاعتقال لمدة عام، ويخرج بعدها في يونيو 1968.
بعد حركة 15 مايو 1971 التي قضى فيها السادات على خصومة الناصريين، قرر إعادة بدوي للقوات المسلحة، وتولى قيادة فرقة مشاة ميكانيكية في 1972، ليكتب سطوراً من البطولة في حرب أكتوبر 1973.
في الحرب استطاع بدوي أن يصد هجومًا إسرائيليًا مكثفًا على مدينة السويس، حيث عبر بقواته للضفة الأخرى ليلاقي العدو ضمن فرق الجيش الثالث، وحين التف آرييل شارون بقواته، ليحدث الثغرة، اندفع بدوي بفرقته ليمزق الجيش الإسرائيلي في وسط سيناء، ويحرر مناطق عيون موسى ويدمر مقر قيادة العدو ليصبح شارون معزولاً عن قيادته.
رُقّي بدوي لرتبة لواء، وعُيّن قائداً للجيش الثالث، وتصاعد دوره ليصبح وزيراً للدفاع برتبة مشير في 14 مايو 1980. ولم يمر سوى عام واحد أو أقل، حتى فجر بموته لغزاً لايزال عصياً على الأذهان، حيث لقي مصرعه ومعه 13 من كبار قادة القوات المسلحة في اصطدام طائر هليكوبتر بمنطقة سيوة، في الصحراء الغربية.
مات بدوي ولم يعرف أحد كيف مات.. الرواية الرسمية تقول إنه لقي مصرعه نتيجة تحطم الطائرة، التي أقلت «بالصدفة» 13 لواءً وعميدًا وعقيدًا، كانوا يمثلون قمة الهرم العسكري في المنطقة الغربية، بينما نجا طاقم الطائرة، وسكرتير الوزير الذي شُيع بجنازة عسكرية في 3 مارس 1981، ليلحقه السادات، قائده الأعلى في 6 أكتوبر من العام نفسه.
فؤاد ذكري.. أمير البحر
البطل هذه المرة جاء من سيناء، تحديداً من مدينة العريش حيث ولد في 17 فبراير 1923، ليتخرج في الكلية عام 1946، ويقود المدمرتين القاهرة والظافرة، وتتنوع مهامه كأن القدر يعده للحظة فارقة.
جاءت النكسة، وخرج سلاح البحرية سليمًا تقريبًا، فمصر لم تخض حروبًا بحرية مؤثرة منذ أيام محمد علي باشا. كان فؤاد يحترق شوقًا لـ«رد الصفعة»، مثله مثل مئات الآلاف من ضباط وجنود كَوَت الهزيمة القاسية نفوسهم، وصبغت حياتهم بهدف واحد.. «الثأر».
في 1967، وبعد أسبوع من كارثة النكسة، عُيّن قائدًا عامًا للقوات البحرية، فغير استراتيجيتها بالكامل، وخطط لعملية ضرب المدمرة الإسرائيلية «إيلات»، في أكتوبر من العام نفسه، ليأتي رد البحرية عن غطرسة العدو بصواريخ لنشات تهزم مدمرة، وأصبح ذلك اليوم عيدًا للقوات البحرية.
شفيق سدراك.. النصر والشهادة
لم تكن لمتري أفندي سدراك، المدرس الصعيدي، أمنية أعز من أن يستجيب الله لصلواته كي يأتيه بـ«الولد»، وفي 1921، وفي محافظة أسيوط، استقبل متري أفندي ولده «شفيق»، الذي أصبح بعد ذلك اللواء أركان حرب شفيق متري سدراك أحد أبطال وشهداء حرب أكتوبر.
منذ البداية عرف متري أن ولده شفيق، اختار حياة الخطر، فالتحق بالكلية الحربية، ليشارك في 3 حروب متتالية، العدوان الثلاثي 1956، والنكسة 1967، ثم حرب الاستنزاف التي بدأت عقب الهزيمة.
11 عاماً متصلة قضاها شفيق وسط نيران الحروب، رأى بعينه كيف يمكن لدولة حديثة العهد بالاستقلال أن تناطح لندن وباريس وتل أبيب معاً وتنتصر إرادتها، وذاق كيف لهذه الدولة أن تذوق الهزيمة على يد إسرائيل، لكنه وبروح المقاتل كان يعلم أن الحرب سجال، وأن ساعة النصر قادمة ولو تأخرت.
كان المعروف عن اللواء شفيق، ولعه الشديد بتطوير خطط حروب المدرعات والدبابات، وتعاونها مع المشاة، وحين حانت ساعة الصفر، انطلق بلواء مشاة كامل، ليكون أول لواء يعبر القناة من الجيش الثاني في 9 أكتوبر، ويصل قرب الممرات الاستراتيجية في سيناء، وبعد أن أبلغ قيادته بالوضع، قرر أن يكون على رأس قواته في مدرعة لصد هجوم العدو، وفي معركة تحرير النقطة 57 جنوب، فاز بالشهادة وهو يدافع عن الأرض التي حررها المصريون جميعا، ليكون أحد القادة الكبار الذين رفضوا الاكتفاء بإصدار الأوامر، بل ذهب ليكون في الطليعة، ويفوز بالشهادة، فيما تفوز مصر كلها بالنصر.
محمد علي فهمي.. حارس السماء
كانت المشكلة الأكبر أمام أي مجهود حربي على القناة، هو «ذراع إسرائيل الطويلة»، ممثلة في الطيران، فبعد تدمير الطائرات المصرية على الأرض في النكسة، لم يجد عبد الناصر حلاً إلا بإنشاء حائط صواريخ، يديره رجل يعرف كيف يقطع هذه الذراع ويوفر للقوات وقتاً للحشد، ومظلة تحميها من غارات العدو المتواصلة، كان هذا الرجل هو محمد علي فهمي، الأب الحقيقي لقوات الدفاع الجوي المصرية.
ولد محمد في 11 أكتوبر 1920، وعُيّن قائدًا للدفاع الجوي في 23 يونيو 1969، ليبدأ ملحمة بناء الصواريخ.
كانت المعركة مشتعلة على خط القناة، فالغارات الإسرائيلية، لا تكاد تنقطع، والرجل بحاجة للوقت كي يسد ثغرات سماء مصر التي يحاول العدو باستمرار أن يحتلها بطيرانه.
فهمي لم يكن يبني شيئًا من الفراغ، فالرجل تلقى دراسات عسكرية متخصصة في الدفاع الجوي في كالينين بالاتحاد السوفيتي. ثم عمل مدرساً لكبار الضباط ثم قائداً للفرقة الثانية المضادة للطائرات عام 1958، وبعدها عمل في سلاح المدفعية، حتى 1966.
قرر قائد الدفاع الجوي، أن يبدأ معركته مبكراً، فوسط ظروف مرعبة، التحمت أجساد العمال بحوائط الصواريخ وقواعدها الأسمنتية، بينما الطيران الإسرائيلي يواصل الضرب، حتى سبتمبر 1970، حين قررت مصر أن تخلق مظلة آمنة لقواتها، فأسقطت طائرة استطلاع ضخمة للعدو، الذي رد بإرسال الفانتوم، ليواجهه فهمي ورجاله بمدافع المضادات، ويجبر العدو على الفرار من جحيم الدفاع الجوي، فيما عُرف إعلاميًا بعدها بأسبوع بـ«تساقط الفانتوم».
في الحرب، كان العبء مضاعفاً على الدفاع الجوي، فهو ضمانة تقدم المقاتلين في سيناء، وهو أيضًا حارس سماوات مصر من أي غدر.. في تلك اللحظة، راهن فهمي على تدريب رجاله، ونصبت منصات الصواريخ الثابتة والمتحركة، لتتساقط 303 طائرات إسرائيلية، ويأمر بنيامين بليد، الجنرال الإسرائيلي، قائد طيران العدو، طياريه بعدم الاقتراب لمسافة 15 كيلومتراً من القناة لأن «الموت حتمي هناك»، كما كتب بعدها في تقريره للجنة «أجرانات» التي حققت في هزيمة إسرائيل.
بعد الحرب، صدر قرار بتحويل الدفاع الجوي إلى «سلاح أساسي»، ليصبح «القوة الرابعة» في القوات المسلحة، بعد القوات البرية والبحرية والجوية، ولم تمر سوى سنوات قليلة، حتى عُيّن فهمي مستشاراً عسكرياً للسادات، ثم خرج من الخدمة، ليلقى ربه في لندن يوم الأحد 12 ديسمبر 1999.
باقي يوسف.. المهندس الذي هزم «بارليف»
«لدينا الآن حدود يمكن أن ندافع عنها»، هكذا قال وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق موشيه دايان، في أولى زياراته للجبهة عقب النكسة، كان ديان يرى أمامه حاجزًا مائيًا هو الأضخم في التاريخ، وجيشاً تعرض لهزيمة بشعة، وشعبًا تذوق مرارة النكسة.
ما لم يدركه ديان، أن الشعب الذي نكست رأسه الهزيمة، خرج ليطالب بالقتال فورًا بعد أيام، وكأن شيئا لم يكن، وقتها بدأ الإسرائيليون يفكرون في مضاعفة ثمن العبور لسيناء، وحسب خطة للجنرال حاييم بارليف، تم بناء خط دفاعي على طول القناة، ليكون أكبر حاجز عسكري في تاريخ البشر، وأول ما يصطدم به المصريون إذا «تهوروا»، على حد تعبير بارليف.
لم تكن أنابيب النابلم ومرابض المدفعية ومصاطب الدبابات وحدها هي المشكلة، بل أيضا الساتر الترابي الضخم الذي يجعل العدو متفوقا ومحصناً ضد أي هجوم من الضفة الشرقية للقناة.
وقتها لم يكن يشغل تفكير الضابط المهندس المصري، باقي زكي يوسف، إلا سؤال واحد: «كيف يمكن إزاحة مئات الأطنان من الرمال في الحرب؟». كان المشهد الملهم بالنسبة له هو ما حدث في السد العالي حيث كان يشارك كمهندس منذ 1964، ففكر في إحداث ثقوب في الساتر الترابي بقوة ضغط المياه.
فكر باقي، المولود لأسرة قبطية شهيرة عام 1946، في طريقة لتضييق ماسورة دفع المياه، بحيث تصبح مثل دانات المدافع في قوة الاندفاع، وفي الوقت نفسه، يمكن للجندي التحكم فيها، حتى وجد ضالته في ماكينات ضخ قادمة من ألمانيا، استطاع تطويرها لإزاحة جبال التراب.
وفي مايو 1969، عرض باقي الفكرة مكتملة على قائده، ثم عرضها في اجتماع ضم قيادات الجبهة، مستشهداً بنقل 10 ملايين متر مكعب من الرمال في عملية بناء السد العالي، ليندهش القادة من الفكرة، وتبدأ عجلة التنفيذ.
في 6 أكتوبر 1973، وتحديداً في الساعة السادسة، فتحت أول ثغرة في خط بارليف بمياه المهندس المصري، وبحلول العاشرة ليلاً كان المهندسون قد فتحو 60 ثغرة، وقتها طلب الضابط «باقي» أن تدخل المجنزرات أولًا لتهذيب الثغرات، وبعدها المدرعات، ليفاجأ العدو بأول لواء مدرع يدك حصونه في الثامنة والنصف من مساء 6 أكتوبر، من معبر القرش بالإسماعيلية.
لايزال اللواء باقي، الذي حصل على بكالوريوس الهندسة من جامعة عين شمس عام 1954، يعيش بيننا، ورغم خروجه من الخدمة في 1984 برتبة لواء، وحصوله على نوط الجمهورية من الطبقة الأولى، إلا أن الرجل الذي «فتح باب النصر»، لايزال بعيداً عن التكريم الواجب.

Tuesday, October 2, 2012

ابراهيم عيسى يكتب ليس بالوعظ وحده يحكم الرئيس



أتمنى أن يكون تعقُّلا لا تنصُّلا..
تعقلا أن يكون الرئيس قد فهم أن الرئاسة ليست مجموعة من خطب الجمعة والوعظ فى مصلين يقولون آمين.. لا تنصلا أن يكون الرئيس يتنصل من مسؤوليته فى الثلث الأول من عامه الرئاسى عن أن لا شىء تحقق ولا شىء تقدم ولا شىء تحسن كما أنه لا شىء تشيَّأ!
إذن أهو النضج أم التهرب؟
فقد قال المتحدث باسم الرئاسة «إنتو بتحاسبونا على كل حاجة وعايزينا نتدخل لحل كل مشاكل الناس وده مش منطقى.. الرئاسة لها اختصاص، والوزارات والجهات الأخرى هى المسؤولة عن متابعة مشاكل الناس وحلها.. والرئيس يؤكد على ذلك حتى لا تعود دولة الفرد مرة أخرى».
هذا كلام جميل، رغم أنه أشبه بكلام جميل راتب فى فيلم «البداية»، لكنه يحمل منطق أن الرئيس ليس كل شىء، لكن المشكلة الحقيقية فيه أن الرئيس قال وفعل ووعد بعكس ذلك تماما، الرئيس محمد مرسى الذى وعد الناس فى الانتخابات بأنه سيحل مشكلات المرور والأمن والبنزين والنظافة فى مئة يوم، طبعا الناس لم تكن (أو على الأقل نصفهم) مدركة أن هذا نخع انتخابى لا مانع من الزعيق والصراخ به انفعالا، والمرشح يقوله لكن بعد الانتخابات يذوب ويذوى بَدَدًا، ومن ثم حين نجح الرجل بات مطلوبا منه أن ينفِّذ، ولأنه لن ينفذ مهما كان سوبر مان
-وهو ليس كذلك، فهو حيالله خطيب وواعظ مخلص- فقد صار الموقف ضاغطا على أعصابه جدا، ولا بد من النرفزة على المواطنين والشخط فيهم، إنه مالوش دعوة بالكلام الفاضى ده، وروح انت وهوّه على المسؤول المختص إحنا هنا الرئاسة يا ابنى مش مصلحة المصل واللقاح!
من هنا كان تصريح ياسر على ضيق الصدر جدا (مش معقول عايزين الرئيس هو اللى يحل مشاكل البوتاجاز والتأمين الصحى والصرف واعتصام صحفيى جريدة الشعب وهكذا… طيب أمال فين الدولة؟ اللى انتو بتطالبوا بيه ده شىء خطير جدا، وسيجعل الدولة تدور حول شخص واحد، وهو الرئيس ويكون فى يده كل شىء).
أنا متعاطف جدا مع الرئيس ومتحدثه، لكنه خطأ الرئيس الفادح!
أولا: لأنه وعد فلم يصدُق ولن يصدُق، فالمهام أثقل من قدراته وأصعب من أن تنتهى سريعا، هذا إن انتهت أصلا.
ثانيا: لأنه وقف فاتحا صدره من خطابه الأول يدعو الناس إلى المجىء بشكواهم وباب القصر مفتوح فذهب الناس لأنهم غلابة مصدقين، ولأنه طيب مش واخد باله، ومن ثم لم يطلب منه الناس أكثر مما وعد، وإحباطهم الآن لأنه هو الذى دعا وليس هم الذين رموا جتتهم عليه.
ثالثا: لأن الرئيس فعلا فى يده كل شىء، فالرئيس مرسى دونًا عن أى رؤساء مصر السابقين يملك صلاحيات إمبراطور يفعل ما يشاء ويملك إصدار القوانين وتعطيلها، ولا رقيب عليه ولا حسيب فما الذى يمنعه عن تنفيذ وعوده.
رابعا: ثم هو كذلك الذى جاء بحكومة من خلصائه ورجاله وتابعيه، فما الذى يعوقه عن أن يأمرهم فيطيعوا ويحاسبهم فيرتعدوا.
خامسا: لقد خوت دماغنا التيار المساند للرئيس بالخرافة الهزؤ بتاعة حكم العسكر والدولة العميقة، فإذا بـ«العسكرى» خيال مآتة والدولة العميقة عبيطة بريالة، فكيف نصدق أن شيئا يعطل هذا الرئيس عن تلك الوعود!
سادسا: أن الناس لا تطلب المعجزات، بل الفتات ومن لا يقدر على الصغيرة كيف سيقدر على الكبيرة؟!
أليس الرئيس مرسى هو الذى يلح فى التعامل، كأنه خليفة المسلمين وأمير المؤمنين، وأطيعونى ما أطعت الله فيكم، وإذا وجدتم فىَّ اعْوِجاجا فقوِّمونى، إذن عليه أن يتحمل هذه الحالة غير المؤسسية التى تجعل من الرئيس خليفة يعسّ فى الأسواق ويتنكر ليعرف أحوال الرعية.
ثم إن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، هو من قال إنه لو تعثرت بغلة فى العراق لسُئل عمر عنها، طيب أهى البغلة تعثرت، بل قطيع البغال كله تعثر.. اتفضل بقى يا سيدى الرئيس اتصرف!

وائل عبد الفتاح يكتب توسيع الاستعمار الوطنى


ماذا حدث بعد ١٠٠ يوم من وصول أول رئيس منتخب لمقعد احتله الجنرالات ٦٠ سنة؟
بل ماذا حدث بعد أكثر من ٦٣٥ يوما على قيام الثورة ضد ما سميته «الاستعمار الوطنى»؟
بدت مصر تحت الاستعمار، لكنه وطنى، أو محلى من مصريين.. فالاستعمار هو الاستيلاء على بلد سياسيا واقتصاديا.. وإخضاعه بالقوة.. وشل إرادته السياسية.. لنهب الثروات وفرض سلطات تعطل إمكانات النمو وحرية التفكير والإبداع.
وهذا ما كان يحدث بالضبط، خصوصا فى فترة حكم مبارك.. النظام خطف البلد.. استولى عليه.. وأخضعه بالقوى الجبارة للأمن (تفوق أعداد قوات الأمن مليونًا أو مليونًا ونصف المليون فى تقديرات أخيرة).. وبتزوير الانتخابات شلت إرادة الاختيار السياسى (والإرادة لا تعنى أن الانتخابات ستأتى بالأصلح من تلقاء نفسها.. لكنها تتيح التجربة والخطأ.. وتداول السلطة).. وأخيرًا كل هذا يتم من أجل نهب مصر الرابع أو الخامس.. استعمار بكل ما تعنيه الكلمة من شعور بالقهر والعجز السياسى.
الفارق الوحيد أن الاستعمار من بين مشروعاته البناء والإعمار (منها يأتى أصل الكلمة).. لأن الفكرة هى إقامة مستوطنات خارج حدود الدولة الغازية.. وتكون امتدادًا لها فى نفس الوقت.
الاستعمار الوطنى أو المحلى فى مصر تمتع بأنانية مفرطة.. ولم يهتم بالبناء.. بل هدم وحرق وأشاع الفساد فى البلاد مثلما يقولون فى كتب التاريخ التى تتناول عصور الانحطاط.
باشوات الاستعمار الوطنى.. كانوا السبب فى حالة الحنين إلى باشوات عائلة محمد على. الناس تنظر إليهم من بعيد الآن باعتبارهم رمز الزمن السعيد. زمن بناء النهضة. وقتهم كانت القاهرة مدينة جميلة.
رغم أن نعيم باشوات الأسرة المالكة كان يصطفى دائرة صغيرة من سكان مصر ويدخلهم إلى جنة ليبراليته وحداثته.
والحياة جنة. هذا ما تصوِّره حالة الحنين الطاغية إلى الملكية. وإلى فترتها التى تسمى بالليبرالية. ربما يكون حنينًا بدون وعى.
لا يرى التفاصيل ولا يدقق فى ملامح الصورة. لا يرى الحفاء والجوع والتشرد، ومجتمع النصف فى المائة. حنين لا يهتم بالتفاصيل، لكنه ينجذب إلى زمن بعيد عن كوارث ومآسى الواقع الذى نعيشه ونخاف من المجهول الذى ينتظرنا.
فى الأيام الأخيرة لمبارك كانت الغالبية تتعلق بحلم بسيط. حلم قادم من أيام باشوات محمد على.
حلم الفصل بين مؤسسة الحكم (وفسادها وباشواتها النهّابين) وبين المجتمع (وأحزابه وأفكاره.. وباشواته الذين يبنون نهضته). حلم الدولة التى تبنى نهضة، أو التى تفكر فى نهضة، حتى ولو على الموديل الأوروبى. دولة كانت البداية. لكنها مع وصول الجيل الثالث من العسكر «مبارك.. الأول» أصبحت هى النهاية. هى أول كل شىء وهى نهايته.. هى مصنع الباشوات مصاصى الدماء الذين يديرون كل شىء لحسابهم.. باشوات يملكون ثروات متوحشة. وعقولا فارغة. وأرواحًا معتمة. أتحدث عن أغلب أغنياء الاستعمار الوطنى /المحلى. يشبهون أغنياء الحرب الذين كانوا مسخرة الصحافة بعد الحرب العالمية الثانية.. جمعوا ثروات من التجارة فى مخلفات الحروب وانتقلوا بسببها من خانات الفقراء إلى الأثرياء.. ولم تحدث معها نقلات لا فى الوعى ولا الثقافة ولا الذوق.
أغنياء الاستعمار الوطنى هم نتاج حروب النظام على الشعب المصرى. النظام الذى أنهى حروبه على الجبهات الخارجية وتفرغ للجبهة الداخلية.. وجه مدرعاته باتجاه الشعب، ربما لأن الرئيس مبارك شهد لحظة نهاية الرئيس السادات بعينيه.. وقرر أن لا يصل إليها.
وكان قرار الحرب على الداخل باب السعد والثروة لجيل جديد من أغنياء الحرب.. كوَّنوا ثرواتهم من التجارة فى الموت.. موت البلد والناس.. وكل الأحلام الكبيرة فى دولة قوية.
هؤلاء الباشوات كانوا بلا ثقافة تُهذبهم من الشهوة المتوحشة للثروة.. وبلا مشروع كبير.. ليسوا رأسمالية ولا وطنية.. إنهم شىء آخر يحتاج إلى دراسات طويلة جدا عن حركة المال فى عصر الاستعمار الوطنى.
ماذا حدث؟
هل انتصرنا على الاستعمار الوطنى؟
أم أننا وسَّعنا فقط قاعدة المستعمرين، وفتحنا الباب أمام جحافل جديدة من تجار الدين الذين يطالبون بنصيب كبير فى كعكة مصر.. بما لا يخالف شرع الله؟

خالد البري يكتب يد العلم المعضوضة



الأمى بالنسبة إلىّ -على المستوى الفردى- هو اللى بيفتى فى غير مجال معرفته. زى شيوخ الأميين اللى بيفتوا فى العلم والسياسة والاقتصاد والاجتماع، وزى جمهور الأميين اللى بيحفظ ويردد من وراهم. الإنسانة اللى مابتعرفش بتتعلم، لكن الناس اللى مابتعرفش ومش معترفة إنها مابتعرفش دول المشكلة الحقيقية. دول الأميين المدمرين. دول بيلجؤوا لحاجة من اتنين كحيلة دفاعية (بالبلدى: طريقة يخبّوا بيها مشكلتهم):
١- يدّعوا المعرفة. ولو متدينين يستخدموا النصوص المقدسة ويفسروها بطريقة تقوّى ادعاءهم.
٢- يحقّروا من معرفة اللى بيعرف. ويُظهِروا العلماء بصورة مضحكة وكوميدية. ولو متدينين يقحموا الدين برضه علشان يصنّفوا العلماء، ويكرّهوا الناس فيهم وفى العلم. وكأن العلماء دول بيسهروا الليالى ويتعبوا نفسهم علشان يحاربوا الدين! العلماء كل غرضهم البحث عن الحقيقة العلمية. بعد كده هل يتوافق «التفسير الحالى» للنص الدينى مع هذه الحقيقة أم لا، دا مش مجالهم. دا مجال رجال الدين وعليهم يحلوها. لأن العلم هيمشى لقدام، واللى رجال الدين بيشككوا فيه النهارده هيبقى بكرة -غالبا- نظرية وبعدين حقيقة. دا اللى حصل خلال الخمس قرون اللى فاتوا. ولو حصل إن نظرية علمية ثبت خطؤها فده مش لأن الدين قال إنها خطأ، لأ، لأن العلماء التطبيقيين توصلوا إلى حقائق أخرى -ده مهم جدا- قادتهم إلى نظرية أخرى. الدين مالوش دعوة بالموضوع. بكرة هاتكلم عن النقطة دى أكتر.
طيب. إحنا مجتمعنا محكوم بقيم الأمية. علشان كده العلم والعلماء مستبعدين منه. الجمهور «مش عايز كده»، بفلسفة السبكى الإنتاجية. السؤال: هل لمّا نقدم للجمهور اللى هو عايزه دا الحل؟ لا، أبدا. دا بيزوّد المرض. دا استغلال لمرض المريض علشان أدخّل فلوس أكتر فى جيبى. سواء بالفيلم الساقط، أو المقال اللى كل غرضه جمهور أكتر يحبنى. ممكن يكون جمهور «العلم والفلسفة والتفكير المنطقى» فى مصر خمسة أنفار بس، مثلا يعنى، أنا شخصيا مكتفى بالخمسة أنفار دول، لأن دول أصدقائى، اللى بتجمع بيننا حاجات مشتركة، وعقلية مشتركة. دول اللى باحب ندردش سوا. الخلاص فردى، ويعتمد على اختيار الفرد. مقالاتى، يا صديقتى، غير معنية بصناديق الانتخابات ولا نسبة اللى هيصوتوا لمين قد إيه. كثرة العدد ليست دليلا على الصواب. كثرة العدد استحقاق للحصول على فرصة فى إدارة المجتمع لعدد محدد من السنين. دا أولا.
ثانيا، كل اللى باحاول أكتبه عن العلم والفلسفة غرضه إنى أطرحه بأسلوب واحد بيحبه. عندى نظرية من أيام المدرسة والجامعة أن الكتب اللى بندرسها كاتبها ناس مابيحبوش المادة. فطالعة زى الطبيخ اللى مطبوخ من غير نفس. عارفة حضرتك الطبيخ اللى مطبوخ من غير نفس؟! والله لو كلفتيه إيه مش هيطلع كويس. إنما «بصلة المحب خروف».
ثالثا: باحاول أطرح العلم -اللى باحبه- على الجمهور علشان أقول إن العلم فيه حكاوى أحلى بكتير من الخرافات والسحر والدجل اللى مغرّقين أرصفة الأمة المصرية. فيه ألغاز اتحلت وألغاز ماتحلتش. وبالإضافة لكده كله صدّق (يعنى الحقيقة بيقولك حقيقة، والفرضية بيقولك فرضية، واللى مايعرفوش بيقول لك لسه ماعِرفوش، وهكذا). فيه أحلى من كده؟! ورّينى خيال واحد من اللى بيكتبوا الدجل والشعوذة ألّف قبل الطيران قصة عن الطيران؟ورّينى واحد فيهم ألّف قصة عن القمر والمريخ بغرابة قصة الوصول المادّى إلى القمر والمريخ؟ طبعا لما أقول «ألِّف» معناها اعتنى بالتفاصيل وخلق عالمًا منطقيا متكاملا. مش إنه قال حاجات ماتدخلش عقل طفل.
وهنا ملاحظة تهمنى. انتشار التفكير فى العلم، وبطريقة تفكير العلماء، بيأثر إيجابيًّا على حاجة تانى باحبها جدا، وباعتبرها مهنتى الأساسية. بيأثر على كتابة الرواية والإنتاج الأدبى. بيخليها تعتنى بالتفاصيل. بيعلّمها تكتب «خيال ممنطق». واخدة بالك من العبارة اللى فاتت. «خيال ممنطق». الاتنين مش ضد بعض. قولى لى إنك شفتى ديناصور وانتى جاية فى شارع طلعت حرب. بس خليكى من العناية بالتفاصيل بحيث تخلينى أقتنع إنك شفتيه. زى عربية جيمس بوند أول ما ظهرت كده.
انتشار التفكير العلمى بيأثر على الصحافة، بيخليها أكثر عناية بالبناء المحكم، بالتحقيق، بالنقد. باختصار، بيأثر على كل المجتمع. بدل الغُلب اللى احنا عايشين فيه ده!!

خالد كساب يكتب يوم فى حياة غوغائى



استيقظ الغوغائى من نومه شاعرا بصداع يكاد يفتك برأسه بعد أن أنفق الليل فى النقاش مع مجموعة من الغوغائيين أصدقائه على مقهى الندوة الغوغائية.. إنفعل وشتم جميع من اختلفوا معه فى الرأى وسفسط وجادل وفعل كل ما تقتضى منه الحماقة أن يفعله.. ثم ذهب إلى المنزل مقررا إكمال السهرة أمام أى برنامج من تلك البرامج التى يظل المذيعين فيها يشتمون الآخرين.. ثم كتب استاتس على الفيسبوك مفاده أنه.. «فليذهب كل المختلفين معى فى الرأى إلى الجحيم».. ثم اتخمد ليستيقظ مصدع بينما دماغه لا يحتلها سوى هدف واحد.. شتيمة أكبر قدر ممكن من المختلفين معه فى الرأى.. سرح بعدها قليلا فى نصيحة شيخه له بضرورة التخلص من كل ذلك الفراغ الذى يحتل خلايا دماغه.. حيث أخبره شيخه أن التخلص من الفراغ ينبغى أن يأتى على هيئة ملء كل تلك المساحات الشاسعه من خلايا المخ بشيء آخر.. وهكذا قرر الغوغائى ملء تلك المساحات بالكراهية والشتيمة.. إرتدى ملابسه الغاضبة منه.. وسار فى الشارع غير المرحب به.. وقابل أناسا فى الشارع لا يعرفهم ولا يعرفونه وبادلهم الإمتعاض بإمتعاض.. ثم ذهب إلى حيث مقر عمله المتمثل فى اللجنة الإلكترونية العامة للشتيمة الكائن بذلك المكتب القذر المطل على مقلب قمامة كبير.. ينتظر الأهالى على أحر من الجمر تنظيم يوم نظافة ثانى لكى يقوموا بتنظيفه.. بدأ فى استنشاق رائحة العطن التى بدأت فى التسلل إلى خلايا مخه لتشعره بحالة مؤقتة من الرضا عن النفس والرغبة فى بدء عمله فورا.. ينظر فى قائمة الجرائد الموكل إليه شتيمة كتابها النهارده.. والتى توجد بجانبها ورقة صغيرة تحتوى على الصيغة الثابتة التى ينبغى عليه أن يقوم بكتابتها مرة واحده فقط ثم يقضيها بعد ذلك كوبى وبِست.. وعلى الرغم من تأكيدات أمين اللجنة الإلكترونية بأنه على جميع الغوغائيين مراعاة إضافة التاء المربوطة فى حالة لو كانت كاتبة.. إلا أن الغوغائيين لا يهتمون بتلك التفاصيل كثيرا.. وهكذا.. يستعين على الشقا بالله.. ويبدأ فى فتح المواقع وطرش الشتيمة !
ينهى عمله ويخرج من اللجنة وقد بدأ يشعر بالإعياء بعد فقدانه لكل تلك الطاقة من الحماقة وبعد تفريغه لكل تلك الحموله من الحقد والكراهية الخام.. يتمشى قليلا على جانبى مقلب الزبالة ومع نفاذ غاز الميثان إلى خلايا مخه يبدأ شيئا فشيئا فى استعادة شعوره بحماقته وإحساسه بهمجيته التى أهدرها على شتيمة كتاب مواقع الجرائد المختلفة.. وعندما يشعر بأن طاقته الغوغائية قد وصلت لذروتها ينظر أمامه فيجد إعتصاما سلميا.. وعلى الرغم من عدم تلقيه أى أوامر من اللجنة بتاعته بأن هناك إعتصامات بعينها المفروض يبوظها النهاردة.. إلا أن نسبة الحقد بداخله كانت قد وصلت إلى ذروتها.. وغريزة الرغبة فى الشتيمة كانت قد فعلت به الأفاعيل وأوصلته إلى الإحساس بأنه إذا لم يشتم أحدا الآن قد يصاب بحالة هبوط مفاجيء.. وهكذا.. دخل الإعتصام وهو يشتم.. «ياللا يا ولاد ال……».. كان يسير مندفعا بينما الجميع بنظر له باستغراب.. وقبل أن ينحنى على الأرض ليلتقط طوبة ويبدأ الجهاد.. كان أحد الواقفين قد أمسك به من يده سائلا إياه.. «إنت بتعمل إيه»؟!.. فأخبره الغوغائى ببراءة.. «باناضل.. مش دا برضه اعتصام «؟!.. فأخبره الرجل بغضب ممتزجا بحزن.. «لأ.. دا طابور أنابيب بوتاجاز» !
سار الغوغائى فى الشارع حزينا ومحبطا.. جلس على المقهى وانهمك فى الخناق مع دبان وشه.. من منطلق «أهو أى خناقة والسلام».. إلا أنه كان مفتقدا لذلك الشعور الخاص بأن تتخانق مع حد فيرد عليك والخناقة تتصاعد.. ولم ينقذه من الخناق مع دبان وشه سوى أصدقائه الغوغائيين الذين ظهروا فجأة.. وبعد السلامات والأحضان و«تشربوا إيه»؟.. «نشرب شاي».. بدأ النقاش واحتدم حتى تحول إلى خناقة.. كانوا جميعا سعداء وهم يشتمون بعضهم البعض وأسهم فى ارتفاع معدل سعادتهم أن ضيفين من النخبة فى أحد البرامج التليفزيونية كانا يتخانقان هما أيضا فى التليفزيون الموضوع على حامل فى صدارة المقهى !
ذهب الغوغائى إلى منزله راضيا بتلك الشتائم التى شتمها على مدار اليوم للجميع.. أى نعم لم يقرأ أو يشاهد أو يفعل شيئا من الأشياء التى يحبها.. أى نعم لم يجلس مع شخصا يحبه.. إلا أنه قد أخرج ما بداخله من حقد خام.. وهذا يكفى جدا.. لهذا.. فرد جسمه على السرير بغضب ممزوج بالرضا.. ثم شتم نفسه.. و نام !

الدكتور محمد البرادعي يكتب سنوات الخداع 17



قررت أن أتخذ موقفًا إيجابيًّا إزاء كل ما يجرى، فاصطحبت فريقًا من خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتوجهنا إلى طرابلس فى زيارة استغرقت الأيام القليلة التى تفصل بين عطلة عيد الميلاد ورأس السنة. واصطحبَنَا الليبيون إلى مستودعات المعدات النووية، حيث وجدنا أن برنامجهم كان محدودًا. قيل لنا إنهم كانوا قد بدؤوا تركيب عدد قليل من أجهزة الطرد المتتابعة لاختبارها فقط، وإن مجموعة من تسعة أجهزة هى فقط التى اكتملت، وإن أيًّا منها لم يختبر بمواد نووية. وقال لنا الليبيون إنهم لم يقتربوا بعد من الوصول إلى مراحل الإنتاج الصناعى، كما أنه ليس لديهم برنامج لصنع سلاح نووى.
وكان من الواضح أن ليبيا لديها نحو عشرين جهاز طرد كامل ومكونات لمئتى جهاز آخر من طراز «P–1»، وهو الجيل الأول من الطراز الباكستانى الذى رأيناه فى إيران، وأنها كانت قد طلبت عشرة آلاف جهاز من طراز «P–2» الأكثر تقدمًا، ولكن العديد من مكوناتها الرئيسية لم يكن قد سُلّم بعد. ويبدو أن عبد القدير خان قد حاول المساعدة عن طريق إحدى الشركات فى جنوب إفريقيا، ولكن مسعاه لم ينجح فلجأ إلى شركة أخرى فى ماليزيا، ولكن الليبيين كانوا قد كشفوا عن برنامجهم قبل تصنيع هذه المعدات.
وفى تصريحات صحفية حول ما رأيتُ فى ليبيا وصفتُ حال البرنامج النووى لطرابلس بأنه فى أولى مراحله. غير أننى بالرغم من ذلك كنت قلقًا، حيث إن معدات تحويل اليورانيوم كان قد تم تركيبها بأسلوب منهجى ومنظم فى شكل وحدات، الأمر الذى يدل على أن طرابلس كانت قد حصلت على مساعدة فنية جيدة ومتقدمة من جهة ما، وأن من وضع هذا التصميم السهل ربما يكون فى ذهنه أن يتكرر ذلك مع دول أخرى.
ولم يكن أحد يعلم على وجه الدقة عدد الأشخاص الذين نقل لهم عبد القدير خان ما لديه من معلومات، رغم كثرة ما سمعناه من آراء وشائعات، وفى الوقت نفسه كان القليلون فى ليبيا هم الذين يعلمون حجم المبالغ المالية التى حصل عليها خان نظير الخدمات التى قدمها إلى ليبيا. وبالتالى فإن السؤال المُلِحّ فى أذهاننا جميعًا كان يدور حول العملاء الآخرين الذين استطاعوا التعامل مع هذه الشبكة السرية للإمدادات النووية وتوافرت لهم الموارد المالية اللازمة لدفع مقابل هذه الخدمات.
وبينما كنت فى ليبيا تلقيت دعوة للقاء العقيد معمر القذافى؛ وهو اللقاء الذى تم فى ثكنة باب العزيزية العسكرية فى وسط طرابلس.
وانتظرتُ لقاء القذافى فى غرفة باردة، وكنت سعيدًا بارتداء معطفى فى هذه اللحظات. ثم جاء لتحيتى واحد من أقرب معاونى القذافى؛ وهو بشير صالح بشير الذى أكد لى التزام ليبيا بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعاونًا كاملا. وبعد فترة قصيرة دخل وزير الخارجية عبد الرحمن شلقم إلى الغرفة ودعانى إلى الدخول للقاء العقيد القذافى. وتم اصطحابى إلى غرفة جيدة التدفئة، بها القليل من الأثاث ومكتب كبير ومكتبة واسعة بها مجموعة قليلة من الكتب العربية المتناثرة على رفوفها.
وخلف هذا المكتب كان العقيد القذافى يجلس مرتديًّا جلبابًا ليبيًّا تقليديًّا، ودعانى أنا وشلقم لنجلس على المقاعد المواجهة للمكتب من الناحية الأخرى. ولقد تحدث القذافى بصوت خفيض أكثر مما توقعت، وجاء حديثه به قدر من الود وأيضا قدر من التحفظ.
وما زلت أتذكر بوضوح الكلمات الأولى التى قالها لى خلال هذه الجلسة: «الحقيقة أنا لا أفهم لماذا تكرهك الحكومة المصرية! لقد قال لنا المصريون إنهم يستطيعون مساعدتنا فى تفكيك برنامج أسلحتنا النووية بصورة أفضل من الوكالة الدولية التى ترأسها، ومن العاملين فيها».
ثم سألنى القذافى إذا ما كنت ناصريًّا. وقال: «لقد نشأتَ فى زمن عبد الناصر ولا بد أنك من أشد معجبيه؟»، فأجبتُه بالنفى؛ وهى الإجابة التى ربما خيبت آماله، لأنه كان ينظر إلى عبد الناصر على أنه مثله الأعلى، وأضفت قائلا «إن عبد الناصر كانت لديه أفكار ومبادئ جيدة جدّا، لكن كثيرا من هذه الأفكار وهذه المبادئ أخفق فى التطبيق العملى».
ثم بدأ القذافى يتحدث عن قراره تفكيك الأسلحة النووية التى بحوزة ليبيا، بعد أن وصل إلى قرار أن مثل هذه الأسلحة لا تسهم فى زيادة الأمن الليبى. وأعرب القذافى عن اعتقاده بأنه لا ينبغى لأى دولة، سواء فى الشرق الأوسط أو فى العالم بأسره أن تقتنى الأسلحة النووية. ولقد اتفقتُ مع هذا الطرح بالكامل وبكل حماس. ثم بدأ القذافى يتحدث عن أمور أخرى، بما فى ذلك مكانة ليبيا التى كان يرى أنها على صغر حجمها -من وجهة نظره- لها مكانة كبيرة على ساحة السياسة الدولية، وأخذ يسوق بعض الوقائع للتدليل على ما قاله، ولم تكن كل هذه الوقائع إيجابية على كل الأحوال.
وبدا لى مما قاله القذافى أنه غير متابع لتطورات التحالفات والتغييرات على الساحة الأمنية فى العالم، ومن ذلك أننى عندما تحدثت إليه عن مظلة التأمين النووى لحلف الأطلسى (الناتو) فإنه أمسك بقلم رصاص وبدأ يدون بعض الملحوظات.
والحقيقة أن القذافى تحدث بحماس خلال هذا اللقاء عن رغبته فى تطوير ليبيا، وعن رغبته فى تحسين البنية التحتية، وبناء مزيد من الطرق، وكذلك عن رغبته فى أن يحصل الطلاب الليبيون على مِنح دراسية فى الجامعات الغربية، وأن تحقق ليبيا تقدمًا فى مجال العلوم والتكنولوجيا. وسألنى القذافى عما إذا كنت أستطيع أن أثير هذه الأمور مع «جورج بوش» و«تونى بلير» لأحصل على دعمهما لأفكاره بالنسبة إلى مستقبل ليبيا.
وخلال اللقاء نفسه طلب منى القذافى أن أُدلى بتصريحات تفيد بأن ما قامت به ليبيا ينبغى أن يكون مثلا يُحتذى لغيرها من دول الشرق الأوسط، بما يمكن أن يجعل هذه المنطقة خالية من الأسلحة النووية. وأكدت للقذافى دعمى جهود إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، كما وعدته أن أتحدث مع الأمريكيين والبريطانيين عن تقديم الدعم الاقتصادى لليبيا. وبالفعل فقد أثَرْت هذا الأمر مع «جاك سترو»، وزير الخارجية البريطانى، وعدد من المسؤولين الأمريكيين الذين وعدوا بأن يُبدوا تجاوبا إزاء الاحتياجات الليبية، حيث كانوا يرون أنه من مصلحة الجميع أن تحقق ليبيا نقلة نوعية اقتصادية ومالية بما يسمح بتطبيع العلاقات بين طرابلس والمجتمع الدولى.
ولم تكن زيارتى ليبيا، والتى أتت مباشرة بعد الإعلان الذى قام به «بوش» و«بلير»، مُرحّبًا بها من قِبل جميع المعنيين فى واشنطن، حيث أراد بعض المسؤولين الأمريكيين أن يحصلوا وحدهم على التقدير الكافى للكشف عن برنامج ليبيا السرى لأسلحة الدمار الشامل وأن يتفاوضوا هم مع طرابلس من أجل تفكيكه وإنهائه.
وبالنسبة إلى فإن مسألة التقدير لم تكن ذات بال، وما كان يشغلنى فعلا فى هذا الصدد هو أن أمريكا وبريطانيا لم تقوما بالوفاء بالالتزامات المقررة عليهما بوصفهما طرفين فى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، فى ما يتعلق بوجوب إبلاغ الوكالة عن البرنامج السرى الليبى للأنشطة النووية. ولكن بعد أن حصلت الوكالة الدولية للطاقة الذرية على هذه المعلومات أصبح لزاما عليها أن تقوم بواجبها القانونى بمتابعة هذا الملف.
وفى 2 يناير 2004، نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية تصريحات لرئيس الوزراء الليبى شكرى غانم يطالب فيها الولايات المتحدة الأمريكية بالوفاء بما تعهدت به من التزامات بموجب الصفقة التى قامت ليبيا على أساسها بتفكيك برنامجها للأسلحة النووية، وأهمها رفع العقوبات التى طال عليها الأمد، ومن بينها أن تقوم واشنطن بإنهاء الحظر المفروض على شركات النفط الأمريكية إزاء التعامل مع ليبيا، وكذلك أن ترفع الحظر عن أرصدة ليبية قيمتها مليار دولار أمريكى. وأشار غانم فى نفس التصريحات إلى أن ليبيا ترى أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية هى المسؤولة عن تفكيك برنامج التسلح النووى الليبى.
ولأن هذه التصريحات جاءت بعد أيام قليلة من زيارتى ليبيا فلقد أثارت بالطبع الحساسية الأمريكية. كما نقلت «نيويورك تايمز» فى نفس المقال الذى تضمن تصريحات غانم، تصريحات منسوبة إلى مصدر بالإدارة الأمريكية وصف فيه زيارتى ليبيا بأنها «محاولة غير موفقة للدعاية». وحسب ما نقلته «نيويورك تايمز» عن المسؤول نفسه فإن تفكيك البرنامج الليبى للأسلحة النووية سيتولاه خبراء أمريكيون وبريطانيون. وبدا من تصريحاتهم أن الولاية القانونية الصريحة للوكالة الدولية للطاقة الذرية فى ما يتعلق بالتحقق من الأنشطة النووية فى الدول الأطراف فى المعاهدة لم تكن أمرًا يدخل فى الحسبان لديهم.
كما أن الأمريكيين لم يرُق لهم ما صرحتُ به بأن الوصف المبدئى للبرنامج النووى الليبى يوضح أن هذا البرنامج فى مراحله الأولى وبالنسبة إليهم فإن دور المخابرات الأمريكية والبريطانية فى الكشف عن البرنامج الليبى النووى كان سيكون أكبر لو أنه تم تصوير هذا البرنامج على أنه فى مراحل متقدمة، وأنه يمكن لليبيا أن تكون قريبة من إنتاج أسلحة نووية. وفى كل الأحوال فإن تقييمى الأول تَوافق مع ما خلص إليه خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية والذين قاموا بزيارات متتالية إلى ليبيا فى الأسابيع والشهور التالية لزيارتى، للتحقق من تفاصيل وطبيعة البرنامج الليبى.
والمثال الجيد على ذلك هو منشأة تحويل اليورانيوم فى صلاح الدين. فقد تبين أن العلماء الليبيين كانوا يعملون من الثمانينيات على مستوى الاختبارات المعملية والتجريبية فى أنشطة تحويل اليورانيوم بمساعدة أحد العلماء الأجانب. وفى سنة 1984 طلبت ليبيا من الخارج معدات منشأة تجريبية لتحويل اليورانيوم فى شكل مكونات محمولة تسلمتها فى 1986، ثم تم تخزينها فى مواقع مختلفة بالقرب من طرابلس حتى سنة 1998 عندما تم تجميعها جزئيًّا ونقلها إلى موقع الخلة. وفى فبراير 2002 بدأ العلماء الليبيون اختبارات «على البارد»، لكنهم عادوا بعد شهرين، وبسبب مخاوف من اختراقات أمنية، بتفكيك المنشأة وتعبئة كل مكوناتها وشحنها إلى موقعها الحالى فى صلاح الدين.
فماذا كان حجم قدرات تحويل اليورانيوم فى موقع صلاح الدين؟ دلت تحاليل العينات التى أخذناها، على أن ليبيا لم تستخدم اليورانيوم فى أى وقت فى هذه المنشأة. وكانت الوحدة التجريبية ذات قدرة محدودة، وليس بإمكانها إنتاج غاز «هيكسا فلورايد» من اليورانيوم، وهو مادة التلقيم اللازمة لتخصيب اليورانيوم. وحتى على المستوى المعملى لم يقم العلماء الليبيون بإنتاج «UF6» محليًّا.
كذلك فإن دورة الوقود النووى لديهم كانت محدودة النطاق والقدرة، كما كانت تفتقر إلى الخبرة العملية. ولم تكن هناك أى عمليات تعدين أو طحن، فقد اقتصرت قدرات التخصيب لديهم على عدد محدود من أجهزة الطرد التى لم يكن بها أى مواد نووية سواء للإنتاج أو لمجرد الاختبار. لقد اشتروا ورش آلات دقيقة لإنتاج أجهزة الطرد محليّا. لكن أجزاءها ظلت فى صناديقها التى تم شحنها فيها. وفى المفاعل البحثى فى تاجورا قاموا بتشعيع عدة مجموعات من أجزاء اليورانيوم معظمها لا يزيد على جرام واحد، وقاموا بفصل البلوتونيوم من اثنين منها بكميات ضئيلة للغاية. ولم يقوموا بأى عمل يتعلق بالتسلح النووى. كانوا قد تلقوا تصميمات، ولكن هذه التصميمات ظلت حبيسة «الأكياس» التى جاءت فيها وظلت محفوظة كما هى فى خزينة معتوق.
وبينما كان عمل مفتشى الوكالة ما زال فى بداياته فقد كانت وكالات الأنباء الغربية تنقل عن مسؤولين فى بريطانيا وأمريكا أن خبراء من البلدين فى طريقهم إلى ليبيا لتفكيك برنامجها للتسلح النووى وشحن المعدات إلى خارج ليبيا. فما كان منى إلا أن اتصلت بمندوب بريطانيا لدى الوكالة «بيتر جينكنز» وقلت له بصراحة ودون مواربة إنه فى حال حدوث ذلك قبل أن تنهى الوكالة عملها، فإننى لن أتردد فى الدعوة إلى عقد اجتماع لمجلس محافظى الوكالة لأخبرهم «أننى بسبب تدخلات بريطانيا وأمريكا فإننى لم أعد قادرًا على القيام بالمسؤوليات القانونية التى تقع على عاتقى بموجب معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وأرجوك أن تبلغ حكومتك بموقفى هذا». كنت قد سئمت من تلك الألاعيب وقررت أننى لن أبقى صامتًا.
وبعد أيام قليلة اتصل بى «كولين باول» ليخبرنى أنه سيرسل «بولتون» ونظيره البريطانى «ويليام إهرمان» إلى فيينا ليتناقشا معى حول سبل التعاون بشأن الملف الليبى. وقال لى «باول»: «إنه ينبغى علينا أن نحترم اختصاص الوكالة؛ فى إشارة إلى التفويض القانونى للوكالة الدولية للطاقة الذرية بمقتضى معاهدة منع الانتشار». ثم أضاف «باول»: «وبالطبع نحن أيضا لدينا مصالحنا».
وأجبته: «إننى أتفهم ذلك، ولكننى فى الوقت نفسه لدىّ تفويض من قِبل الدول أعضاء الوكالة ولا يمكنى بأى حال التفريط فيه».
وقد قرر «باول» أن يتوقف عند هذا الحد، وأبلغنى أنه التقى «بولتون» صباح اليوم وأن «بولتون» «يتطلع جدّا للقائى»!
لم أكن واثقًا من مسألة تطلع «بولتون» للقائى، لأننى أتذكر من خلال لقاء سابق لى معه، لدى توليه منصب مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الحد من التسلح والأمن الدولى، قوله إنه سيضطر إلى العمل بطريقة مخالفة لما كان يكتبه، مشيرًا بذلك إلى انتقاداته اللاذعة حول الأمم المتحدة ومنظماتها. ولكن رسالة «باول» المبطنة لى كانت مطمئنة، وهى أن «بولتون» قادم إلى فيينا بتعليمات محددة بأن لا يثير المشكلات.
وفى الحقيقة فإن اللقاء الذى تم بينى وبين «بولتون» بعد هذه المكالمة اتسم بالمهنية. وقد بدا «بولتون» حريصًا على التوصل إلى اتفاق، وبدورى قلت له إننى لا أعتزم التنازل عن الصلاحيات الممنوحة للوكالة ولا عن المسؤوليات المنوطة بها. وفى خلال هذا اللقاء اتفقنا على أن الوقت سيُترك لمفتشى الوكالة للانتهاء من عملهم المتعلق بالتفتيش والتحقق وأخذ العينات، ثم ستتاح الفرصة بعد ذلك للخبراء من أمريكا وبريطانيا لأن يقوموا بتفكيك برنامج ليبيا النووى تأسيسًا على الاتفاق المقرر بين هذه البلدان الثلاثة.
وانتهت المقابلة بصورة ودية، وهو الأمر الذى استراح له جدّا «وليليام إهرمان» الذى يبدو أنه كان يتوقع احتكاكًا بينى وبين «بولتون». والحقيقة أن الاتفاق تم تنفيذه أيضًا بسلاسة دون حدوث أى مشكلات بين مفتشى الوكالة وخبراء أمريكا وبريطانيا.
ومما سهل مهمة مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بصورة تكاد تكون غير معتادة، هو التعاون الكامل والابتعاد عن المراوغة من قِبل الليبيين. وإلى جانب ذلك فقد حرص معتوق على القيام بزيارات دورية لى فى فيينا للتأكد من انتظام العمل وعدم وجود أى عوائق. لقد كان عملنا فى ليبيا تغييرًا إيجابيًّا بالمقارنة بالتجارب التى مررنا بها فى العراق وكوريا الشمالية وإيران. وبنهاية يناير كان مفتشو الوكالة قد أنهوا الجزء الأكبر من المرحلة الأهم فى عملية التفتيش والتحقق، ومباشرة بعد ذلك تم تفكيك معدات مخصصة لتشغيل دورة الوقود النووى، وحسب الاتفاق الذى تم بين واشنطن وطرابلس تم شحن هذه المعدات إلى أمريكا.
وفى الثالث والعشرين من فبراير توجهتُ إلى طرابلس لإجراء محادثات، ووجدت فى الفندق الذى أقيم فيه عددًا كبيرًا من رجال الأعمال الغربيين، خصوصًا من العاملين فى مجال البترول، وبعد ذلك تسربت معلومات حول قرب رفع العقوبات المفروضة على التعامل مع ليبيا. وخلال حديثى مع المسؤولين الليبيين الذين كانوا يحاولون اللحاق بكثير من التطورات المتتالية بدا لى أنهم يمكن أن يقعوا فريسة للاستغلال فى هذه المرحلة التى تشهد انفتاحًا جديدًا على ليبيا.
وخلال حديثى مع وزير الخارجية شلقم قال لى إن المشكلة التى تواجه ليبيا هى نقص الكفاءات من المديرين، وبالطبع فإن ذلك كان أمرًا متوقعًا، كون أن ليبيا قد تعرضت للعزلة الدولية لأكثر من عشرين عامًا. وخلال هذه الأعوام العشرين فإن الكثير من الكفاءات والعقول الليبية كانت قد هاجرت، وباستثناء بعض الليبيين الذين حصلوا على التعليم فى الخارج وبعض كبار المهنيين والعلماء النوويين، فإن حظوظ ليبيا من كفاءات الوظائف الحكومية كانت محدودة للغاية.
ومن المسؤولين القليلين التى كانت لديهم خبرة الشؤون الدولية موسى كوسا رئيس المخابرات الليبية، الذى كان قد ذهب لاستكمال دراسته العليا فى العلوم الاجتماعية بجامعة ميتشيجان، وخلال هذه الدراسات قام بكتابة رسالة الماجستير عن معمر القذافى. كما أن شلقم أيضا عاش سنوات طويلة فى الغرب، من بينها السنوات التى أمضاها سفيرًا لبلاده لدى إيطاليا. وقد تبادلتُ الحديث مع الاثنين حول ضرورة اكتساب ليبيا الكفاءات والمهارات التفاوضية، وضرورة أن تحصل ليبيا على عوائد مناسبة وعادلة مقابل مواردها الطبيعية.
وتطرق الحديث مع شلقم وكوسا أيضا إلى التعقيدات التى تحيط بالعلاقات مع دول شمال إفريقيا، وإلى الاتهامات التى تواجه ليبيا فى العالم العربى بعد إعلانها تخليها عن برامج أسلحة الدمار الشامل بأنها باعت ثلاثين عامًا مما يطلق عليه المواقف «الثورية» فى الكثير من الموضوعات.
وقد علمتُ خلال هذه المحادثات أن النظام المصرى -على وجه الخصوص- كان مستاءً من أن ليبيا لم تُخطره عن برامجها لأسلحة الدمار الشامل التى كانت تحاول تطويرها، أو عن مفاوضاتها مع أمريكا وبريطانيا. وكان الرئيس مبارك قد قال فى أحد خطاباته قبل فترة وجيزة من الكشف عن برنامج ليبيا للأسلحة النووية: «أنا أعلم ما لدى ليبيا.. والليبيون ليس لديهم أسلحة دمار شامل». وبالطبع فإن الكشف عن هذا البرنامج مثَّل إحراجا له.
وأرسل الليبيون عبد الله السنوسى رئيس المخابرات العسكرية الليبية وصهر القذافى، إلى مصر لمحاولة تطييب خاطر مبارك، ومع ذلك فإن الصحافة المصرية وجهت النقد إلى القذافى على تخليه عن برنامج التسلح، وهو ما أتبعه القذافى بإنهاء دخول المصريين ليبيا دون تأشيرات، وكان ذلك القرار قاسيًا بالنظر إلى أنه كان هناك قُرابة نصف مليون مصرى يعملون فى ليبيا فى ذلك الوقت. وفى النهاية قرر المصريون وضع حد لانتقادات الصحافة المصرية للقذافى، وبعثت القاهرة بوفد من الحكومة المصرية لمحاولة حمل القذافى على تعديل قراره.
ولم يكن من الصعب أن يخلص المتابع لهذا الأمر إلى أن العلاقات الليبية- المصرية تحكمها الأهواء والانفعالات اللحظية، لا التعاون القائم على التخطيط المنطقى.
من جانبهم كان لدى المسؤولين الليبيين الكثير من النقد للحكومة المصرية، خصوصًا فى ما أشاروا إليه من «تقدم مبارك فى العمر بدرجة لم يعد من الممكن معها أن يقدم الكثير، سواء على الصعيد الداخلى لمصر أم للعالم العربى». وعلق أحدهم قائلا «أنت تعلم أهمية مصر من حيث قيادة العالم العربى، فإذا توقفت القيادة المصرية فإن العالم العربى لا يتحرك كثيرًا، أما إذا تحركت مصر للأمام فإن العالم العربى سيتبعها».
لم تُسهم حملة إعلامية أطلقها وزير الطاقة الأمريكى «سبنسر إبراهام» فى تحسين موقف ليبيا فى العالم العربى. ففى السادس عشر من مارس اتصل بى معتوق ليعرب لى عن غضبه مما يقوم به «إبراهام» الذى أحضر عددًا كبيرًا من الصحفيين ليصوروا بأنفسهم المعدات النووية التى أرسلتها ليبيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد قرارها التخلى عن برنامج التسلح النووى، بينما وصفه «إبراهام» بأنه «انتصار كبير للغاية»، وأن هذه المعدات هى مجرد بداية لما سيصل من ليبيا. وأضاف «إبراهام» أنه «بأى معيار موضوعى، فإن الولايات المتحدة الأمريكية والعالم المتحضر بأسره أصبح أكثر أمانًا، نتيجة الجهود التى أدت إلى تخلص ليبيا من هذه المواد النووية».
وبغض النظر عن الإهانة التى تضمنتها تصريحات «إبراهام» فى حديثه عن «العالم المتحضر»، فإن تقييمه لما كان يمكن أن يتسبب فيه البرنامج النووى الليبى كان تقديرًا مبالغًا فيه إلى درجة كبيرة، خصوصًا فى ما قاله عن امتلاك ليبيا أربعة آلاف جهاز طرد، لأن معظم هذه الأجهزة لم يكن قد اكتمل. ولفت هذا الأمر انتباه المتخصصين داخل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، واستدعى انتقاداتهم. وكان من بين هؤلاء «ديفيد أولبرايت» رئيس واحد من أهم المعاهد المتخصصة فى دراسات الأمن النووى والذى قال «إن الحديث عن أن البرنامج الليبى كان خطيرًا جدًّا وأننا يجب أن نكون جميعًا سعداء، هو جزء من حملة دعائية مبالغ فيها يقوم بها البيت الأبيض للحصول على مكاسب سياسية».
ولقد جاء اتصال معتوق بى وأنا فى واشنطن للقاء الرئيس «بوش»، وطالبنى معتوق بالتدخل لدى الأمريكيين لوقف مثل هذه الأنشطة الدعائية التى تضر بصورة ليبيا فى الداخل وفى العالم العربى، وتجعل ليبيا تبدو وكأنها خضعت لرغبة الولايات المتحدة الأمريكية فى تفكيك برنامجها للتسلح.

عمر طاهر يكتب تبقى الصلوات واحدة



لا تعتقد أننى أجامل الرئيس عندما أختار هذا الأسبوع كتابًا تركيًّا فى الوقت الذى يزور فيه الرئيس تركيا، هى مجرد مصادفة، فالواحد يتجنب الحديث فى السياسة هذه الأيام ويحاول أن يعطى مشروع النهضة وبلبله الفرصة ليفرد جناحيه عسى أن يكون خيرا.
هذا الكتاب قد يشغلك قليلا ويقتل الوقت حتى يستطيع حزب النور أن يلمّ «فضايحه»، وحتى يستطيع الشيخ حازم أبو إسماعيل أن يجد حيلة للتخلص من ورطة مناظرة حمدين التى طالب بها أكثر من خمس مرات، معتقدا أن لا أحد سيقبل بها فبدأ التيار الشعبى يطالبه بمندوب عنه لترتيب المناظرة دون رد من أبو إسماعيل. الكتاب سيسلِّيك حتى ينزل وجدى غنيم بكليب جديد، وحتى يجد خالد عبد الله شخصا جديدا ليأكل لحمه ميتا أمام الشاشات، وحتى يخرج البعض بفتوى نهائية توضح إن كان ما قام به ياسر برهامى (كذب أم أنه من المعاريض كما شاع فى الأيام الأخيرة).
الكتاب اسمه «تبقى الصلوات واحدة» للروائى والشاعر التركى الشاب «تونا كيريميتشى»، هو رواية لكن فى شكل جديد، إذ تخلص المؤلف من «باشميل» الكتابة الروائية المسهبة فى الوصف والتحليل والفلسفة، واختار لنفسه منهجًا التزم به طول الرواية وهو حوار طويل بين بطلتى الرواية يتم من خلاله استعراض الحدوتة كاملة برشاقة متناهية.
البطلة الأولى امرأة ألمانية تجاوزت الثمانين تعيش فى إحدى المدن التركية، تنشر إعلانا تطلب فيه جليسة تجيد التركية، تتقدم البطلة الثانية فتاة فى العشرينيات لشغل هذه الوظيفة، ومن اللحظة الأولى نتعرف على قصة حياة كل واحدة منهما بطريقة عكسية، فالسيدة العجوز تحكى قصتها من بدايتها، بينما تحكى الفتاة الأصغر قصتها من نهايتها، وخلال الحكى تتقاطع القصتان فنكتشف ما الذى تغير فى الزمن.
السيدة العجوز يهودية هربت من ألمانيا أيام هتلر مع زوجها اليهودى التركى لتستقر فى مدينتها، والشابة الصغيرة والدها رجل أعمال شديد الثراء لكن أمها هجرتهما بعد أن عثرت على الحب الحقيقى بينما الفتاة لم يتجاوز عمرها السنوات العشر.
تتقاطع الحكايات فنفهم كيف تغيرت مواصفات فتى الأحلام فى الخمسين عاما الأخيرة، كيف تغيرت لغة المحبين وطريقة تعبيرهم عن المشاعر، كيف تغير طعم الغناء وشكل العلاقات الاجتماعية، كيف تغير مفهوم الألم الناتج عن الخيانة، بل كيف تغير مفهوم الخيانة نفسه، كيف كان الحب يعنى التضحية فى أثناء محرقة اليهود وكيف أصبح الحب مرادفا للأنانية فى الأيام الحديثة، كيف تغيرت طريقة التعبير عن النفس وتذوُّق كل شىء حولك والحدود التى يلزم كل واحد نفسه بها، تغييرات مجنونة، لكن شيئا واحدا لم يتغير طول الزمن مهما اختلف المكان أو الديانة (الصلوات)، كيف أن صلوات الكوكب واحدة وما يحلم به كل شخص فى كل ديانة واحد تقريبا، وكيف أن مناجاة الله مهما اختلفت الطريقة تبحث دائما عن حلم واحد ورغبات متشابهة.
الرواية بها سِحر إنسانى يكشف لنا كيف تعمل خلايا مخ امرأة فى الثمانين تعيش وحيدة بعد أن هجرها الأحبة بمن فيهم الزوج والابنة وبطل قصة الحب العارضة فى حياتها، وكيف تعمل خلايا فتاة فى العشرين اختارت بمحض إرادتها أن تهجر الجميع وتعيش بمفردها فى مدينة أخرى مطارَدة من قبل ثلاثة عشاق كل واحد منهم له قصته، ويكشف لنا كيف يمكن أن تذوب الفوارق بين جيلين مختلفين بكثير من الصدق وقدر متوسط من الجرأة، ثم تسير الحدوتة إلى نهاية تمنح كل ما تعلمته فى 190 صفحة طعما مختلفا.
الرواية صادرة عن (دار العربى للنشر والتوزيع)، ترجمة عمرو محمود السيد، ومن أجواء الرواية «الكلام مهم يا آنستى، الكلمات تضىء الصمت المطبق بداخلنا، حتى أكثر الآلام حدة تهدأ عندما يتم التعبير عنها بالكلمات، إن نعمة الكلام التى خصنا بها الله معجزة لا تقل فى أهميتها عن معجزة خلق الكون».

نوارة نجم تكتب عايش شحاتة



ما زلت أتشبث بأول وعد قطعه سيادة الرئيس الدكتور الباشمهندس محمد مرسى (أدينى قلت كل الألقاب أحسن ابنه يستنانى تحت البيت عشان يقنعنى إنى بغلة)، ألا وهى العبارة التى أنهى بها كلمته الأولى بعد حلفانه اليمين الدستورية: لن أخون الله فيكم. خصوصا أن السيد الرئيس الدكتور الباشمهندس كررها ثلاث مرات.. لن أخون الله فيكم، لن أخون الله فيكم، لن أخون الله فيكم. كنت أظنه يكررها للتأكيد، لم أكن أعلم أنه يكررها ليتذكر العبارة التى تليها، والتى لم يتمكن من قولها، لكنه بعون الله ومشيئته وبما لا يخالف شرع الله تمكن من تنفيذها على أتم وجه: ولكن حاشحت عليكم.
لماذا يتسول علينا سيادة الرئيس الدكتور الباشمهندس سعادة البيه اللواء الباشا محمد مرسى؟ يليه سؤال آخر: هل نحتاج إلى كل هذا التسول؟ بل والاحتفاء بالتسول؟ سيادة الباشمهندس الرئيس لم يقض فى مصر ما قضاه فى رحلاته بالخارج، وكلما عاد إلى الوطن سالما بحمد الله، احتفت الصحف بنتائج زياراته المبهرة: قرض من السعودية، قرض من الصين، قرض من تركيا، هذا بخلاف «نقوط» صندوق النقد الدولى، وبنحيى الباشمهندس مرسى وصحبته ومجاله وكل تجار الميه السخنة، ولله الحمد وبدأ بعض المواطنين يرقصون بالسلاح فى سيناء، إنتو فاكرينها خناقة؟ دى تحية للعريس.
لماذا نقترض؟ دائما ما تأتى إجابة السؤال مستعجمة يصعب على أمثالى فهمها: عشان سمعة مصر! لو كنتم مؤمَّلين أن تحافظوا على سمعة مصر بهدف أن يتقدم لها ابن الحلال اللى يستتها، انْسوا… اتضح إن كلهم ولاد حلال، واتضح إننا شعب لا يستحق أولاد الحلال، نحن شعب مش ابن حلال، ومالناش فى الطيب نصيب، وكما قال الدكتور البلتاجى: لا تسأل مرسى ماذا قدم للوطن ولكن اسأل نفسك أنت ماذا قدمت للوطن؟! أو بقول آخر: ما تقولش إيه ادانا مرسى قول حندى إيه لمرسى! تصدق يا دكتور؟ لم نقدم شيئا البتة، وكأن الدكتور البلتاجى نسى أن الباشمهندس الذى كان يبلغ عن نفسه من داخل السجن يوم 28 يناير: فتحوا علينا البوابات واحنا مش حنخرج، وأنا اسمى محمد مرسى العياط! بتبلغ عن نفسك فى إيه تانى؟ ما انت مسجون. هذا المسجون الذى كان يرتعد داخل زنزانته، بينما ينحر الناس فى الشارع، قد اعتلى سدة الرئاسة على أعين الناس المفقوءة ودمائهم السائلة وأعراضهم المنتهكة وحرياتهم التى اغتصبتها المحاكمات العسكرية، وأصبحنا نتسولها من سيادة الرئيس بعد أن تحول من مسجون إلى رئيس. ماذا قدمتم للوطن؟ ولا حاجة.. ولا حاجة يا دكتور، قدمنا نذالة وكذبا وخداعا ومراوغة ومجالسة عمر سليمان والناس تموت فى الميدان والطعن فى الشهداء وهم مسجونون فى المشارح واتهامهم بالفوضى وتخريب عرس الديمقراطية، والتساؤل عن الحرائر المنتهكة أعراضهم: إيه اللى نزِّلها؟ إحنا إيه اللى جابنا هنا؟ آه.. التساؤل عن القرض. أيوه يعنى لماذا نقترض إن كنا نعلم أننا لن نستطيع السداد، وأننا لن نتمكن من تحقيق معدلات نمو تربو على فائدة الديون؟
ولماذا نستدين؟ هو احنا ناقصين فلوس يا ناس؟ ده حتى الدكتورة هبة رؤوف طالبت نساء مصر بالتبرع بمصاغها لسد احتياجات البلاد، بدل ما الريس مسود وشنا كده فى كل حتة وفاضحنا.
لدى سؤال قديم جديد لا يجيب عنه أحد، تساؤل بات يقع فى ذات التصنيف الخاص بسؤال: إحنا جينا الدنيا ليه؟ حنموت إمتى؟ إيه اللى حيحصل فى المستقبل؟… فين الفلوس اللى لمّها الشيخ محمد حسان؟سؤال لا يجيب عنه أحد أبدا، بعض الناس تعطينى إحساسا بأننى أسأل سؤالا غير لائق، مثل سؤال الأطفال: ماما أنا جيت إزاى؟ البعض الآخر يبتسم ويصمت، وأخيرا قال لى سائق تاكسى: محمد حسان لا يُسأل عما يفعل. ماشى حضرتك.. بالنسبة إلى ديانة عبادة حسان أنا سأدعمكم من منطلق حرية العقيدة، وسأساندكم حتى تكتب ديانتكم فى إثبات الشخصية، وسأطالب ببناء معابد لكم، بل ومن حق أبنائكم أن يدرسوا ديانة آبائهم، وفى حصة الدين ياخدوا العيال فى أوضة الموسيقى ويحطوا صورة حسان فى النص ويلففوا حواليها العيال… أنا معكم للنهاية، لكن برضه: فين الفلوس اللى لمها حسان؟ هاه؟ هاه؟ هاه؟
أريس.. أريس.. مش إنت الرئيس وعارف كل الكلام؟ بدل الشحاتة يمين وشمال، ما تسأل لنا: فين بقى الفلوس اللى لمها حسان؟ قال لى بعض السلفيين: مالمش حاجة! يالهوى.. عينى عينك كده مالمش حاجة؟ طب ده حتى العمال فى شبرا الخيمة وضعوا صورة محمد حسان وكتبوا تحتها أنهم يتبرعون بأجر يوم من أجل حسان، فضحوه.. شبراوية بقى.

Monday, October 1, 2012

خالد البري يكتب ليه الحنفية اسمها الحنفية؟ مقال فى السماحة والحب



- عارفة موضوع «إحنا اللى عملناها الأول»؟
- أيوه عارفاه. كل حاجة فى الدنيا يطلع حد يفتى ويقول دول واخدينها من عندنا.
- عليكى نور. بس دا مش موضوعنا. موضوعنا هو العكس تمامًا. أنا دلوقتى هافتيلك فى حاجات كتير فاكرين إن إحنا عملناها الأول، بس الحقيقة إنها كانت موجودة من قبلنا.
تعرفى ليه بتقولى على حنفية المطبخ حنفية؟ مفكرتيش فى يوم إنها قريبة من كلمة فى القرآن؟ بالضبط كده، كلمة «الأحناف»، والدين «الحنيف». الحنفية هى الوعاء الكبير من الماء الذى يوضع أمام المسجد للوضوء. والأحناف اتسموا بالاسم دا، لأنهم كانوا بيتوضوا من الحنفيات. فيه ناس بتقول العكس، إن أوعية المياه هى اللى اتسمَّت على اسم الأحناف. المهم إن الأحناف كانوا بيتوضوا الوضوء اللى إنت خدتيه. وإن الوضوء كان موجودًا من قبل الإسلام. إنما تميّزت هذه الأمة بحاجة تانى: التيمم. غياب الماء طبعًا مهم فى البيئة العربية الصحراوية. والتميز دا هو اللى ذكره النبى فى الخمسة التى لم يُعطهن أحد قبله «وجعلت لى الأرض (١) مسجدا و(٢) طهورا». التيمم هو نمرة اتنين.
إنتِ طبعًا عارفة إن الحج كان موجودًا من قبل الإسلام، لكن الكفار أضافوا له حاجات غريبة زى الطواف عرايا. الإسلام أبطل العرى وأبطل المُكاء (الصفير) والتصدية (التصفيق)، ونظَّف المسجد الحرام من الأوثان. لكن الحج بما فيه من طواف ومن سعى بين الصفا والمروة كان موجودًا. «إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما…»، خدتِ بالك ليه القرآن بيقول «فلا جناح عليه» مع إن المفروض إن دى طاعة؟ أيوه، لأن الآية نزلت فى صحابة تحرجوا فى فعل شىء كان الكفار يفعلونه.. والزكاة كانت موجودة تحت اسم الصدقة. وشهادة أن لا إله إلا الله، كانت موجودة، وطبعًا أضيف إليها شهادة أن محمدًا رسول الله، بعد بعثة النبى. الصوم كان موجودًا كمان، ولكنه حدد فى رمضان.
الصلاة -عماد الدين- كانت موجودة، بصفتها الحالية، بقيامها (القنوت) وركوعها وسجودها، «يا مريم اقنتى لربك واسجدى واركعى مع الراكعين». إنما اليهود كانوا بيسجدوا على جانب واحد من وجههم، لأن المفترض إنهم يبصوا ناحية جبل الطور. تغيّر طبعًا اللى بتقريه فى الصلاة. وبعد ما كنا بنصلى نحو بيت المقدس زى اليهود، اتحولت القبلة إلى البيت الحرام. ومواقيت الصلاة عند اليهود كانت الصباح، والظهيرة، والعصر، وأول الليل وآخره. لكن بعض الناس بيقول كان المفروض منها صلاة واحدة بس فى اليوم، وناس بتقول تلاتة وناس بتقول أربعة.
طب أنا ليه باقول الكلام ده؟! إيه يعنى اللى طلع فى دماغ أهلى أجيب لنفسى وليهم الكلام ويبتدى الجهلة يشككوا فى نيتى ويشتمونى، وبعدين يرجعوا يسألوا الشيخ (ما همّ بيكسلوا يدوروا بنفسهم، والحالة الدينية الحالية هى دين الكسل فى الحقيقة)، ولما الشيخ يقول لهم الكلام دا صح، هيضيف، بس هو الواد دا ابن… على أى حال. فمش هيرجعوا يعتذروا.
ليه باقول الكلام ده؟ علشان لازم نتعلم نحب الناس، نتعلم إننا عادى يعنى، زينا زى غيرنا، فى سلسلة ممتدة عبر الزمن من عبادات بتتطور، وأفكار بتتطور. وإن اللى يجمع بين الناس أكتر من اللى بيفرق. لازم نبطل نفكر فى نفسنا على إننا محصلناش ولا هنحصل.
دا حلو للمسلمين، وحلو كمان للإسلام. علشان مش كل اللى تخرج من دين الكسل اللى نشره شيوخ الأميين (علقها فى رقبة عالم واطلع سالم) وتقرر إنها تقرا كتابين، تقوم تتصدم وتكفر بكل حاجة. أصلها بتلاقى نفسها يا ولداه خرجت من أوضة ضلمة وبعدين فوجئت أن العالم بره مختلف تمامًا عن اللى بيقوله شيخ الزاوية، أو شيخ الجامع الكبير. وكمان علشان أنا مؤمن بأن العلم نور. وأن أوحش حاجة تعمليها إنك تحولى الناس لآلات تتعبد بدون علم وفهم. وعلشان مايجيش يوم يكون المسلمين الباقيين همّ بس الكسالى اللى عمرهم ما قروا كتاب.. دى كارثة. دى مصيبة.. دا ضد التطور الطبيعى يا بشر.. هتنقرضوا إلهى «يعمِر» بيتكم!!

ابراهيم عيسى يكتب تجار الدين ملوك السوق


إنهم يتاجرون بالدين.
وكأى تاجر فإنه يستهدف المكسب، واللى تكسب به العب به.
نعم هم يلعبون بالعقل ويتلاعبون بالدين..
مَن هم؟
إنهم هؤلاء الذين يخرجون عليك ليل نهار فى الفضائيات والجوامع والأحزاب والجماعات التى تقول عن نفسها إنها إسلامية.
يوهمونك أولًا أنهم يعرفون الإسلام.
ثانيًا، أنهم يتحدثون باسمه.
ثالثًا، أنهم يمثلون وحدهم الإسلام.
رابعًا، أنهم يمثلون الإسلام ومَن يختلف معهم هو فى الحقيقة ضد الإسلام ويحارب هذا الدين.
خامسًا، أنك لو لم تقف معهم وتنتصر لهم فإنك تشارك فى حرب على الإسلام، دين الله ورسوله.
سادسًا، أنك لو أيَّدتهم ودعمتهم وانتخبتهم فالله سيرضى عنك ويبارك لك فى صحتك ومالك وحياتك ويدخلك جنته.
هذا كله (اسمح لى) نَصْب.
لا تنس أن جميع النصابين يجدون زبائن يقتنعون بهم، وهناك بكوات كبار وأفندية بشنبات يضحك عليه نصاب فى دور عيالهم، ومن ثم ليس هناك كبير على أن يتم النصب عليه.
ثم دعنا نذكِّرك بأن النصاب لا يعدم الموهبة، فهو يملك ميزة فى إقناع الناس وقدرة على جذب اهتمامهم وتليين عقلهم.
من هنا خطورة التجارة التى تتحول إلى نصب باسم الإسلام.
ليه؟
لأنك متدين ولكنك مش متعلم كفاية فى دينك، وما تعرفه قشور فى الغالب أو محفوظات محدودة ومن ثم يَخِيل عليك مَن يدخل عليك بالحديث والآية والحكاية ويعمل فيها عالمًا شيخًا، وهو فقط يملك أدوات الشغلانة التى يعرف من خلالها حفر نفق فى دماغك.
من المؤكد أنك سمعت ألف مرة عن الحروب الصليبية وكيف وصفها لك مدرسك أو خطيب الجامع أو واعظ الفضائيات ذات مرة أو أبوك فى لحظة مشاهدة فيلم صلاح الدين فى التليفزيون أو فى موقع على النت قرأت فيه عدة سطور قبل أن تنقر على الكيبورد وتقلب، أن الدعوة للحروب الصليبية جاءت من تجار الدين فى أوروبا الذين زعموا تعرُّض قبر المسيح فى الأرض المقدسة للتخريب ورفعوا الصليب وأعلنوا الحرب على المسلمين باسم الدين.
طيب وما الذى يفعله الوعاظ فى القنوات الفضائية والأحزاب الإسلامية إلا هذا تماما؟
حديث عن الأعداء الذين يحاربون الإسلام وأنك لا بد أن ترفع راية الإسلام خصوصا عَلَم القاعدة الأسود وتذهب للجهاد ضد أعداء الداخل والخارج، ويدعونك للدفاع عن نبيك الذى يهينونه فى الغرب، أو عن السُّنة التى يحاربها العلمانيون فى الداخل.
ما الفرق بين هذه التجارة وتلك؟
أليس كلاهما تاجرا يبيع بضاعة ويوهم زبائنه أنه المدافع عن الدين الحق فى مواجهة أعدائه؟
هناك من صدّق تجار الدين الصليبيين وهناك من يصدق الآن تجار الدين المتمسحين فى الإسلام.
إن تجار الدين فى التيار السلفى والإخوانى لا يطيقون صبرا على الاختلاف ويتهمون المختلفين بالكفر والخروج عن الملة ومحاربة المشروع الإسلامى.
فإذا سألتهم: وما المشروع الإسلامى؟ يحدثونك عن النهضة، وهى تشبه نهضة مبارك لكن طلع لها دقن، أو عن تطبيق الشريعة، كأن الشريعة ليست مطبَّقة، وكأن هؤلاء إذا جلسوا على مقاعد السلطة حققوا المجد للدين (وقد جلسوا فماذا فعلوا؟)، وإذا حكموا حولوا البلد إلى المدينة المنورة (استباح يزيد بن معاوية المدينة ثلاثة أيام اغتصبوا فيها ألف امرأة وقتلوا آلافا من أبناء المهاجرين والأنصار وأغرقوا المسجد النبوى ببحر من الدماء منعت الصلاة فيه)، كل هذا وهم يخفون عن الناس ما يكمل لهم الصورة ويبرز كل الحقيقة مستغلين جهل المشترين وسذاجة الزبائن الذين لا يعلمون أن الإسلام عانى منذ العصر الأول من تجار الدين حين هاجموا الخليفة عثمان رضى الله عنه، وحين طالبوا بالقصاص له، وحين رفعوا المصاحف أمام جيش الإمام علِىّ (كرَّم الله وجهه)، وحين كان الخوارج ضد الإمام، وحين نقل معاوية (رضى الله عنه) الخلافة إلى ملك وراثى استبدادى، وحين نشبت الحروب الأهلية بين المسلمين وانقلابات الحكم من دولة وإمارة لأخرى، وحين أعدموا العلماء وزجّوا بهم فى السجون، وحين ملؤوا القصور بالجوارى والغلمان، وحين استعان أمراء المسلمين بالصليبيين لمحاربة منافسيهم من الأمراء المسلمين، وحين سيطر عليهم الاستعمار قرونًا… كل هذا والشريعة الإسلامية مطبَّقة، وقطع يد السارق، ورجم الزانية فى كل مدينة مسلمة.
لكن هل منعت الشريعة انحطاط الدولة وانهيارها؟ وهل وقفت الشريعة طغيان الحاكم والخليفة؟ وهل أنقذت العلماء من المتاجرين بالدين فضربوا الأئمة باسم الشرع وقتلوا المعارضين باسم الشريعة؟ وهل جعل تطبيق الجلد والرجم من باكستان وأفغانستان والسودان والسعودية وإيران وبوكو حرام جنات العدل والمساواة والحرية والتقدم فى العالم؟ وهل أخافوا الأمريكان وزلزلوا الغرب وأرعبوا الأعداء؟
وهل تعطلت الشريعة أبدًا حتى يومنا هذا إلا الحدود التى تستلزم من الشروط ما يستحيل تحققه مع الفقر والقهر والاستبداد… والتجارة بالدين؟!
لكن تقول إيه؟!
التجارة بالدين هى أخطر تجارة فاسدة على وجه الأرض، ولهذا فإن لها أكثر الزبائن على وجه الأرض.

خالد كساب يكتب فصل الختام..فى عدلة مرسى لبنطلونه وربكة وزير الإعلام



حركتان تم إصطيادهم مؤخراً للرئيس مرسى وهو يعدل بنطلونه أثناء جلوسه مع رئيسة وزراء استراليا.. ولصلاح عبد المقصود وزير الإعلام وهو يرد على زينة يازجى فى أحد الحوارات على قناة دبى مخبراً إياها أنها سخنة.. الحركتان لا تحتويان على أى أخطاء من قبل مرسى أو عبد المقصود.. هما فقط تحتويان على سوء تصرف منهما.. وبصرف النظر عن كل تلك الإفيهات والكوميديا التى فجرتها هاتين الحركتين إلا أن أحداً لم يتحدث عن سوء التصرف الذى تصرفته كلتا الشخصيتين.. والمتمثل فيما يلى..
أولاً.. فيما يخص خطأ صلاح عبد المقصود وزير الإعلام.. لو كنتم قد دققتم السمع فى المشهد موضوع الأزمة والذى تقول فيه المذيعة زينة يازجى لوزير الإعلام بأنها بصدد إخباره ببعض الآراء لبعض المتخصصين فيما يخص سياسته فى وزارة الإعلام.. يرد عليها صلاح عبد المقصود قائلاً.. «بس يا ريت ما تكونش سخنة زى آرائك».. إلا أن زينة تتحدث قبل أن ينهى جملته.. ثم تلحظ أنه لم ينه جملته فتصمت.. فيعيد عبد المقصود جملته على مثل هذا النحو.. «بس يا ريت ما تكونش سخنة زيك».. قالها معتقداً أنها تؤدى نفس المعنى.. وهذا هو سوء التصرف الأول له.. سوء التصرف اللغوى.. بعدها.. لم تمر جملته فى صياغتها الجديدة مرور الكرام.. حيث ردت عليه المذيعة بأنها.. «لأ.. أنا مش سخنة.. أنا باردة.. أسئلتى هى اللى سخنة».. وأكمل عبد المقصود رسم إبتسامته العريضة المحرجة وأكمل الإستماع إلى الأسئلة.. وهذا هو سوء التصرف الثانى.. سوء التصرف الإجتماعى.. فبعد شعوره بالخطأ فى صياغة الجملة لم يصححها واكتفى بالإبتسامة العريضة المحرجة.. وعندما جاءته الفرصة الذهبية لتصحيح ذلك الخطأ اللغوى عندما لم تدع زينة الجملة تمر مرور الكرام وردت عليها ( وهذا هو التصرف الصحيح منها ) كان يستطيع بمنتهى البساطة أن يؤكد على أنه.. «لأ.. أنا أقصد سخنة زى آرائك».. كان يستطيع أن يتصرف بشكل طبيعى وتلقائى ويأخذ هو عليها البنط.. إلا أنه تركها تحصل على البنط منه بمنتهى السهولة.. لتخرج الجملة منه فى النهاية كمادة خام للكوميديا لا يستطيع أى شخص له فى الإفيهات أن يتغاضى عنها.. من منطلق أنه.. «آدى يا سيدى وزراء الإخوان.. بيعاكسوا المذيعات على الهوا».. وعلى الرغم من ذلك التوجس الذى يملأنى بصدد ما هو قادم فى ظل حكم الإخوان لمصر.. إلا أن المنطق يقتضى منا ألا نخلط الأوراق على أساس أن الحياة مش ناقصة لخبطة.. يقتضى منا أن نقول الحق ولو حتى جاء هذا الحق على عكس ما نريد له أن يكون.. حيث أنه لو قال ما قاله بقصد المعاكسة فسوف تكون المشكلة مقدور عليها.. مجرد وزير عينه زايغة وبكرة يكبر ويبقى رئيس وزراء ويعقل.. أما أن يفشل وزير الإعلام فى «الإعلام» عما يقصده بالظبط فى وقتها وحينها وبمنتهى الأريحية والثقة وفى جملة واضحة الصياغة وسليمة العبارة فعندها سوف نكون بصدد وزير يسيء التصرف وغير قادر على صياغة جملة بشكل صحيح.. وتلك لو تعلمون كارثة.. مش مشكلة بس!
ثانياً.. أما بقى فيما يخص عدلة مرسى لبنطلونه أثناء جلوسه مع رئيسة وزراء استراليا.. فهو أمر طبيعى جداً.. فالصورة تحتوى على جميع العناصر التى يمكننى من خلالها أن أصنع إفيه.. وعلى الرغم من أن صورة مرسى وجوليا إيلين جيرارد فى حد ذاتها بدون أى حركات من مرسى أو أى عدلة لبنطلونه إفيه فى حد ذاتها.. إلا أن الرئيس تصرف بشكل طبيعى زيادة عن اللزوم أثناء جلوسه وكأنه يجلس مع اصدقائه.. وهو ما ينبغى عليه أن يلاحظه بعد ذلك جيداً.. فللرئيس صورة ينبغى أن تُرَاعى.. لا أتحدث هنا عن الديكتاتورية والتأليه وهذا الكلام الفارغ.. ولكن أتحدث عن اشياء تليق واشياء لا تليق.. وما فعله الرئيس مرسى يفعله معظم الرجال.. خصوصاً من اعتاد منهم على رفع البنطلون لفوق جامد.. عندها سوف يضطر قبل ان يجلس لفعل نفس تلك الحركة التى فعلها الرئيس مرسى.. لهذا.. حاجة من اتنين.. نقرا شوية فى بروتوكولات الرئاسة.. أو.. نخلى البنطلون مريَّح.. ما نرفعوش لفوق أوى!

الدكتور محمد البرادعي يكتب سنوات الخداع 16


كان لتوقيع اتفاقية باريس، كما اتُّفِق على تسميتها، أثر إيجابى على اجتماع مجلس محافظى الوكالة فى شهر نوفمبر. وفى البداية بدا أن الأمريكيين كانوا يشعرون بالرضا، بل إنهم أعربوا عن التقدير للعرض الشامل الذى قدمتُه حول أعمال التفتيش التى تمت فى إيران حتى ذلك الوقت، فى ما مثَّل اختلافًا كبيرًا عن المواقف الأمريكية المعتادة، والتى استمرت حتى أشهر قليلة مضت عندما أثاروا الضجة المفتعلة حول موقع «بارشين».
والأكثر من ذلك أن أمريكا لم تعمل على إيقاف قرار مجلس المحافظين الصادر عن اجتماع نوفمبر حول إيران على الرغم من عدم رضا واشنطن عنه، وعلى الرغم مما قالته «جاكى ساندرز» مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية، وأحد أقرب معاونى «بولتون»، من أن شيئًا ذات قيمة لم يتغير فى الملف الإيرانى، وإن الولايات المتحدة الأمريكية كانت «تتوقع للأسف ما جاء فى هذا التقرير»، وإنها كانت أيضًا على استعداد لإحالة ملف إيران إلى مجلس الأمن بمفردها دون الحصول على توافق من مجلس المحافظين، ولكنهم مع ذلك تركوا القرار يمر.
أما الإيرانيون فكان لديهم تفاؤل بأنهم حققوا نقلة كبيرة فى التعامل مع هذا الملف، وبالتالى ادّعى ناصرى أنه راح فى إغفاءة فى أثناء الاجتماع بينما كانت «ساندرز» تُدلى بكلمتها، بينما وصف روحانى دعم مجلس المحافظين لاتفاقية باريس بـ«الانتصار الكبير».
ثم أدلى روحانى بحديث لـ«بى بى سى»، وقال: «إن العالم بأسره تجاهل دعوة أمريكا لإحالة ملف إيران إلى مجلس الأمن». وفى محاولة فى ما يبدو للحصول على إعجاب الإيرانيين، بالغ روحانى بعض الشىء فى وصفه الحالة المزاجية «المنهزمة» لمندوبة الولايات المتحدة الأمريكية، وقال: «إن المفاوضات القادمة هى فرصة تاريخية لإيران والدول الأوروبية أن تثبت أن الدبلوماسية القائمة على القرارات الأحادية لا تجدى».
وكان التوصل إلى الاتفاق هو الجزء الأسهل من عملية التفاوض، ولقد بدا واضحًا لى من خلال محادثاتى مع الأوروبيين أنهم يعلمون يقينًا بوجوب تقديم حزمة حوافز مشجعة للإيرانيين، فى نهاية التفاوض. وكان الألمان هم الأكثر تفاؤلًا بالنتائج المتوقعة للمفاوضات، بينما اتسم الموقف البريطانى بالتحفظ حرصًا على عدم إغضاب الأمريكيين. أما الفرنسيون فقد اتخذوا موقفًا وسطًا بين الألمان والبريطانيين، غير أنهم جميعًا بدوا متفائلين، خصوصًا بعد أن دعمت مجموعة الثمانى الاتفاق وأقرت تقديم تنازلات كبيرة لإيران.
بعد ذلك تزايدت التوقعات طوال عدة أشهر، بأن تؤدى عملية التفاوض هذه إلى إيجاد حل للأزمة الإيرانية. وكانت إيران تتعاون بقوة مع الوكالة ولم يبقَ سوى بعض المسائل الواجب التعامل معها فى ما يتعلق بالتفتيش. وبحلول جلسة مجلس المحافظين فى مارس 2005 فإن ملف إيران لم يكن على الأجندة للمرة الأولى فى نحو عامين، وهو الأمر الذى سارع الإيرانيون بالإشارة إليه على أنه دليل على حدوث تقدم. بل إن البعض أشار إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت على استعداد ربما للتعاون مع الأوروبيين فى تقديم حوافز إلى إيران.
لكن مع الوقت بدأ القلق الإيرانى يتزايد، حيث لم تكن المفاوضات تحقق التقدم المرجوّ، وكان روحانى يقع تحت ضغط كبير من حكومته ليأتى بثمار التعاون الذى أبداه فى صورة ملموسة وواضحة. وكان روحانى يُلح على الأوروبيين للموافقة على قيام إيران باستئناف بعض جوانب عملياتها النووية ولو على مستوى البحث والتطوير. وحسبما فهمت فإن خطة إيران كانت تهدف إلى استكمال منشأة لتحويل اليورانيوم دون أن تصل إلى مرحلة تطوير هذه العملية لأغراض التصنيع، وكذا مشروع صغير للتخصيب. على أن يتم الاتفاق بعد ذلك مع الأوروبيين على إيقاف منشأة التخصيب الكبيرة فى «ناتانز» لعدد من السنوات. هذا الأمر صاغه روحانى فى صورة مقترح مكتوب تقدم به إلى الدول الأوروبية المفاوضة فى مارس 2005، مشيرًا إلى أن إيران يمكن أن تبدأ التخصيب بخمس مئة جهاز طرد يمكن أن تزداد مع الوقت إلى ثلاثة آلاف، وهى تقل كثيرًا عن الأربعة والخمسين ألف جهاز التى يمكن تشغيلها فى «ناتانز» عندما تعمل بكامل طاقتها. وأشار روحانى إلى أن هذا المقترح هو صياغة أولية قابلة للتعديل فى ضوء المناقشات مع الأوروبيين. وكان أهم ما فى الأمر بالنسبة إليه الرسالة التى يوجهها إلى الشعب الإيرانى بأن برنامج التخصيب الإيرانى ما زال جاريًا. وكان بوسع الوكالة أن تراقب الأنشطة فى المنشأة الصغيرة، كما أن إيران كانت ستوقف أنشطتها لأغراض التصنيع. وكانت إيران تأمل فى الحصول مقابل ذلك على مفاعلات الطاقة النووية من الغرب وغيرها من أشكال التكنولوجيا، والاتفاقات التجارية والحوافز الإضافية.
وكانت الانتخابات الرئاسية الإيرانية تقترب، حيث كان الموعد المقرر لها هو يونيو، وكانت لهجة الحوار السياسى فى إيران تحتدم. وفى مايو قالت إيران إن عدم تقديم الأوربيين عرضًا محددًا لإيران يمثل مخالفة لاتفاقية باريس، بل إن طهران هددت باستئناف النشاطات النووية التى كانت قد أوقفتها، وطالب الأوروبيون بمزيد من الوقت لصياغة مقترح يقدمونه إلى الإيرانيين الذين وافقوا على الانتظار حتى منتصف أغسطس.
وفى منتصف يونيو انتخب الإيرانيون محمود أحمدى نجاد، وهو واحد من أكثر الرجال المتشددين من بين كل الذين كانوا يخوضون انتخابات الرئاسة الإيرانية. وبعد هذه الانتخابات مباشرة، وقبل حصول إيران على المقترح الأوروبى، كانت طهران تلمّح بالفعل إلى اعتزامها استئناف بعض من الأنشطة التى كانت قد أوقفتها، وعادت أجواء التشاؤم لتسود الدوائر الدبلوماسية.
وبعد شهرين بدت المفاوضات على وشك الانهيار الكامل، حيث جاء العرض الأوروبى خاليًا من الكثير من النقاط المتفق عليها خلال اجتماع باريس، كما أنه جاء خاليًا من أى إشارة إلى تقديم مفاعلات نووية لتوليد الطاقة، واقتصر على عرض تقديم مفاعلات للأغراض البحثية.
وكان بإمكان الفرنسيين أن يقدموا إلى إيران تكنولوجيا مفاعلات القوى لو لم تكن شركة «آريفا» الفرنسية المنتجة للمفاعلات النووية تخشى إغضاب الولايات المتحدة الأمريكية حرصًا على معاملاتها التجارية مع السوق الأمريكية، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد رفضت منح «آريفا» الموافقة على تقديم مفاعل لإيران، ومن ثَمَّ اقتصر العرض الأوروبى على إشارة مبهمة إلى منح إيران إمكانية الوصول إلى أسواق التكنولوجيا النووية الأجنبية.
وقد قال لى بعضهم إن الأوروبيين حاولوا تطبيق سياسة إيران فى التفاوض القائمة على المساومة، كما يحدث فى المحلات التجارية، بمعنى أن لا يقدموا أقصى ما لديهم فى العرض الأول، ولكن النتائج كانت كارثية لأن العرض لم يكن فقط متواضعًا، بل إنه وصل إلى الدرجة التى يمكن وصفه بأنه جسَّد تعاليًا على إيران. ووصل الأمر إلى حد أن الأوروبيين ذكروا أنهم سيتولون العلماء الإيرانيين برعايتهم إذا لم تعد هناك حاجة إليهم بعد أن يتوقف التخصيب فى إيران. لقد تحدث اتفاق باريس، شأنه شأن إعلان طهران، عن التزام إيران بتقديم «ضمانات موضوعية» عن الطبيعة السلمية لأنشطتها النووية. لكن الأوربيين بدؤوا يحاولون تفسير ذلك فى العرض المقدم منهم على أنه التزام بحظر الأنشطة الخاصة بدورة الوقود النووى على عكس كل التصريحات والبيانات التى أدلى بها روحانى وزملاؤه.
وحاول الإيرانيون حَمْل الأوروبيين على النظر فى إمكانية قيام إيران بتحويل اليورانيوم على الأقل، بوصف أن ذلك من شأنه أن يُحسن من صورة النظام أمام الرأى العام، وأن يشير إلى أن إيران لم تتخل تمامًا عن إنجازاتها النووية. وكان هناك اقتراح بأن تقوم إيران بإنتاج «UF6» ثم تصدّره إلى جنوب إفريقيا لتخزينه. ولكن العواصم الغربية لم تكن مستعدة للقبول بالطلب الإيرانى. وقبل أن يعلن الأوروبيون عن مقترحهم كنت قد أشرت عليهم بالنظر فى أن يتضمن المقترح إشارة إلى إمكانية استئناف إيران لبعض من النشاطات التى قررت إيقافها، وذلك لأننى كنت أخشى انهيار المفاوضات بصورة كاملة.
ولأن الفرنسيين كانوا قد تولوا صياغة العرض الأوروبى فقد ذهبت مباشرة إلى المدير السياسى فى وزارة الخارجية الفرنسية «ستنسيلاس دولابولاى» بهذا المقترح، ولكن جاء الرد بأن هذا المقترح متأخر لأن التوافق قد تم التوصل إليه بين الأطراف الأوروبية الثلاثة، ولم يعد من الممكن تعديله.
وقبل الإعلان عن العرض الأوروبى ألمحتْ فرنسا لإيران بفحواه، فكان ذلك مخيبًا لآمال الإيرانيين الذين شعروا أن أشهر من المفاوضات ذهبت هباء.
وفى 3 أغسطس تولَّى أحمدى نجاد الحكم، وقام بإعادة تشكيل الحكومة، وكان من بين الذين تم إعفاؤهم من مناصبهم روحانى وفريقه المعاون، وتم تعيين على لاريجانى أمينًا عامًّا لمجلس الأمن الوطنى الأعلى فى إيران. وبدأت إيران بسرعة فى تزويد منشأة التحويل فى أصفهان بأكسيد اليورانيوم. وبعد إعلان المقترح الأوروبى فى العاشر من أغسطس قررت إيران استئناف كامل نشاطاتها وفضت الأختام التى كانت الوكالة قد وضعتها على المنشأة.
وعقد مجلس محافظى الوكالة الدولية جلسة خاصة حث فيها إيران على العودة إلى وقف أنشطتها النووية، وفى 24 سبتمبر ذهب المجلس إلى أبعد من ذلك بالإشارة إلى أن تاريخ إيران الطويل من محاولة إخفاء الحقائق، وعدم الإبلاغ عن أنشطتها يعد من قبيل «عدم الامتثال»، وهى إشارة توحى بأن احتمال إحالة الملف إلى مجلس الأمن أصبح مؤكدًا.
وبهذا بدأت مرحلة جديدة من مراحل الأزمة النووية الإيرانية.
ينص نموذج اتفاق الضمانات النابع من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية على أن قرار إحالة الدول التى توصم بـ«عدم الامتثال» من عدمه هو أمر يخضع لتقدير مجلس المحافظين. وبالنسبة إلى حالة إيران كنت دومًا أسعى لتفادى استخدام تعبير «عدم الامتثال» وأستخدم تعبيرات أخرى، مثل خرق أو انتهاك الالتزامات لتفادى التأثير على مجلس المحافظين. ومن جانبه لم يكن المجلس مندفعًا نحو إحالة إيران إلى مجلس الأمن، واكتفى باستخدام هذا الاحتمال كوسيلة من وسائل الضغط والتفاوض، مع العلم أن أمريكا كانت تود لو تم إحالة الملف إلى مجلس الأمن منذ البداية وأنها كانت تلوم على الوكالة عدم استخدام تعبير «عدم الامتثال».
ومما جعل مسألة إحالة موضوع إيران إلى مجلس الأمن محل شك أنه فى ذلك التوقيت لم تكن هناك أى مستجدات فى ما يتعلق بما يمكن وصفه بعدم امتثال إيران، وهو الأمر الذى كان معروفًا منذ عامين. بل إن الفترة الأخيرة قد شهدت تطورات إيجابية تتعلق بقيام الوكالة بنشاطات محددة فى ما يتعلق بالتحقق من طبيعة النشاطات النووية للبرنامج الإيرانى. وبالتالى فإن إحالة الملف إلى مجلس الأمن كان يهدف بالأساس إلى وقف التخصيب الذى تقوم به إيران، وهو الأمر الذى يعتبر من حقها حسب معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، عن طريق الإشارة إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بتهديد السلم والأمن الدوليين.
ولطالما سُئلت إذا ما كان العرض الأوروبى بالصورة التى جاء عليها قد أهدر فرصة للتوصل إلى اتفاق نهائى حول البرنامج النووى الإيرانى؟ وما إذا كانت محدودية العرض والضغوط التى مارستها أمريكا على الشركة الفرنسية لعدم منح إيران التكنولوجيا الفرنسية قد أهدر هذه الفرصة؟ والإجابة عن هذا السؤال أمر صعب لأن أحدًا لا يعلم يقينًا ما الذى كانت ستكون عليه الأمور لو اختلفت بعض المعطيات، ولأن أحدًا لا يستطيع الجزم بالنوايا الحقيقية لأى من الأطراف: إيران، والدول الأوروبية، وأمريكا. لقد كان الموقف بالغ التعقيد.
لكن الواضح هو أن إيران كانت تعتقد أن تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية كان يمكن أن يَحُول دون تحويل ملفها إلى مجلس الأمن، وأنها كانت تنظر للتفاوض مع الأوروبيين على أنه بداية الطريق للتوصل إلى تفاهم مع الأمريكيين. وإزاء عدم تحقق هذه النتائج، الأمر الذى بات واضحًا بحلول أغسطس 2005، قررت طهران الحد من تعاونها مع الوكالة على أمل أن يؤدى ذلك إلى تنازلات من الغرب. وكما اتضح فى الشهور والسنوات التالية فإن الموقف الغربى المتشدد والإصرار على رفض المطلب الإيرانى باستعادة جزء صغير من نشاطها النووى لم يؤدِّ إلى شىء.
إن محاولة تغليب مبادئ نظرية على التفكير العملى لم تؤدِّ إلى شىء. وفى اعتقادى أنه لو جاء العرض الأوروبى أفضل قليلًا وتضمن مزايا محددة لإيران، لكانت إيران قد استمرت فى وقف برنامجها للتخصيب، أو حتى قصرته على عمليات البحث والتطوير، مع استمرار التفاوض للوصول إلى اتفاق. إن ما كانت إيران تسعى للحصول عليه هو التكنولوجيا الغربية، سواء التكنولوجيا النووية لتوليد القوى أم غيرها من أنماط التكنولوجيا التى حالت العقوبات الأمريكية المفروضة دون حصول إيران عليها. ولكن المعارضة الأمريكية حالت دون تحقيق ذلك الهدف، وكانت النتائج متوقعة بأن تعود إيران إلى أنشطة تحويل اليورانيوم ثم تخصيبه، وأن ترفع سقف المطالب مع مرور الوقت.
ولم يفقد المجتمع الدولى الأمل مباشرة فى التوصل إلى حل، ففى نوفمبر 2005 كان هناك مقترح لتقوم إيران بأولى مراحل تحويل اليورانيوم فى منشآت أصفهان ثم شحن الناتج من «UF6» إلى روسيا لتخصيبه ثم استخدامه وقودًا للمفاعل الإيرانى، إلا أن قوى الرفض ضد هذا المقترح كانت شديدة.
ليبيا الاكتشاف والتفكيك
فى مايو 2003 وبينما كنا منشغلين بالكشف عما تخفيه إيران مما يتعلق ببرنامجها النووى، علمت لأول مرة، من مسؤول بريطانى أنه ربما يكون هناك ما يستدعى القلق بشأن ليبيا، وأشار إلى مفاعل بحثى نووى بمدينة تاجورا شرق طرابلس، ولم يحدد الأسباب التى تثير هذا القلق. وعندما طرحت عليه أسئلة حول هذا الأمر قال إنه سيرتب لى زيارة إلى لندن حيث أستطيع أن أحصل على معلومات أكثر توثيقًا وعمقًا.
وعندما نما أمر هذا اللقاء إلى علم بعض أعضاء الخارجية الأمريكية من المحافظين الجدد طلبوا من بريطانيا عدم إطلاع الوكالة الدولية للطاقة الذرية على ما لديها من معلومات. وكان هذا الموقف متطابقًا مع طبيعة تفكير تلك المجموعة ونظرتها إلى الأمم المتحدة ومنظماتها، والقائم على أفضلية عمل الولايات المتحدة بمفردها وليس فى إطار المجتمع الدولى. نظرة قاصرة ولكنها كانت سائدة فى أثناء ولاية الرئيس بوش الابن.
وعلى الرغم من أن السلوك البريطانى إزاء مثل هذه الأمور كان يتسم بدرجة أعلى من التفهُّم بالنسبة إلى أهمية المنظمات الدولية فى إدارة المشكلات الدولية فإننى وبعد مضى ثمانية أشهر على هذا اللقاء لم يكن لدىّ أى معلومات إضافية حول هذا الملف.
وفى الثامن عشر من ديسمبر 2003 علمت من «جراهام أندرو»، وهو بريطانى الجنسية وواحد من مساعدىّ المقربين، أنه تلقى رسالة من بلاده تفيد بقرب الإعلان عن أمر هام بشأن ليبيا، مشيرا إلى أن أهمية الإعلان المتوقع كبيرة لدرجة أنه ربما يأتى على لسان الرئيس «بوش» ورئيس الوزراء «بلير». ورأى «أندرو» أنه ربما يكون من الأفضل أن أرجئ رحلة كنت أعتزم القيام بها إلى الهند اليوم التالى بعد تأجيل متكرر.
وفى مساء اليوم ذاته تلقيت رسالة من معتوق محمد معتوق نائب رئيس الوزراء الليبى لشؤون العلوم والتكنولوجيا، الذى أخبرنى أن وزير خارجية ليبيا على وشك الإعلان عن اعتزام بلاده القيام بتفكيك برنامج للأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل كانت بحوزتها. وبالنسبة إلىّ فإن أمر امتلاك ليبيا أسلحة دمار شامل كان جديدًا تمامًا، واقترح علىّ معتوق أن يقوم بزيارة إلى فيينا ليطلعنى على مزيد من التفاصيل، وهو ما تم الاتفاق عليه وبالتالى تأجلت زيارتى إلى الهند مرة أخرى.
وبالفعل فى اليوم التالى وصل معتوق وهو رجل قصير القامة له شعر مصبوغ باللون الأسود ومعه وفد مرافق من نحو 20 شخصًا من الدبلوماسيين والعلماء والمسؤولين، كان سلوكه بادى الاحترام والمهنية. وبعد المجاملات التقليدية دخلت إلى اجتماع منفرد وحديث مباشر مع معتوق، الذى ظل لسنوات عديدة ضمن دائرة الحكم فى ليبيا.
وملخص القصة أن ليبيا تقوم منذ سنوات بتنفيذ برنامج لتخصيب اليورانيوم، وأشار إلى أن ليبيا حصلت على المعدات والتكنولوجيا النووية والمواد اللازمة لتطوير البرنامج عن طريق العالِم النووى الباكستانى الشهير عبد القدير خان، ومن خلال شبكة من الشركات والأفراد.
وبينما كنت أستمع لمعتوق أدركت أن ما يخبرنى به لا يتعلق فقط بما قامت به ليبيا للحصول على سلاح نووى، ولكن بما يدور فى السوق السوداء للتكنولوجيا والمواد النووية. ولقد أشار معتوق فى حديثه إلى المساعدة التى تلقتها ليبيا من بعض أصدقائها فى جنوب إفريقيا، كما أشار إلى حادثة تسرب بعض المعلومات المخابراتية التى أدت إلى غارة إيطالية على سفينة شحن ألمانية كانت تنقل معدات نووية إلى ليبيا صُنعت فى ماليزيا.
وأكثر ما أقلقنى فى ما قاله لى معتوق إن خان كان قد زار ليبيا مؤخرًا ومعه كيسان عليهما اسم ترزى فى كراتشى، ولكن فى الحقيقة فإن ما كان بداخل هذين الكيسين هو تصميمات لتصنيع السلاح النووى، وقد ذكر خان لمعتوق عندما أعطاه هذين الكيسين أنه «قد تحتاجون إلى تلك المعلومات فى المستقبل»، وقد ذكر معتوق أنه ما زال يحتفظ بهذين الكيسين فى الخزانة الخاصة به.
ويجب أن أُقر بأننى ذُهلت من مدى اتساع الأنشطة النووية السرية لليبيا كما وصفها معتوق. وفى الوقت نفسه فإننى كنت أفكر فى ما يمكن أن تحصل عليه الوكالة من معلومات إضافية عن تلك الأنشطة من خلال التفتيش حيث إن ليبيا هى طرف فى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
وأخبرنى معتوق أن حكومته دخلت فى مفاوضات سرية مع بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية لمدة تسعة أشهر للوصول إلى صفقة تقوم ليبيا بموجبها بالتخلى عن برنامجها لأسلحة الدمار الشامل، وأشار إلى أن ليبيا «أرادت أن تخبر الوكالة، ولكنهم لم يسمحوا لنا أن نقوم بذلك». اعتدلت فى مقعدى ولم أعلق بشىء على تلك الملاحظة الأخيرة.
وفى اليوم التالى زارنى مسؤولون أمريكيون وبريطانيون فى منزلى للنقاش حول ملف ليبيا، ولم أَسْع لإخفاء استيائى وقلت لهم بصراحة: «أنا لا أفهم ما الصعوبات فى الموضوع، فأمريكا وبريطانيا وليبيا، أعضاء فى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، والمفترض حسب ما تقتضيه هذه المعاهدة أنه على أمريكا وبريطانيا أن تبلغا الوكالة عندما تصل لهما معلومات تفيد بأن ليبيا تقوم بخرق التزاماتها المقررة فى الاتفاقية، بحيث تستطيع الوكالة أن تتخذ الإجراءات اللازمة».
ولم يعلق ضيوفى على ما قلت، ولكن بعد فترة وجيزة تلقيت اتصالًا هاتفيًّا من وزير الخارجية البريطانى «جاك سترو»، يعتذر لى عن عدم إطلاعى على المعلومات التى قال لى إنها لم تكن متاحة سوى لما لا يزيد على أربعة أشخاص فى الحكومة البريطانية.
وبعد ذلك اتصل بى وزير الخارجية الأمريكية «كولن باول»، الذى عبّر عن نفس الموقف، مشيرًا إلى أن قرار إبقاء الأمر قيد السرية الشديدة إنما يرجع إلى أن أحدًا لم يكن واثقًا من الطريقة التى ستسير بها المفاوضات مع الجانب الليبى، ولم يكن أحد يريد أن يتعرّض للحرج فى حالة ما لم تنجح المفاوضات.
ولم أجد فى ما قاله «باول» ما يقنعنى. وفى ما بعد علمت من أحد المسؤولين فى المخابرات البريطانية أن السبب وراء التكتم الشديد الذى أحاط بهذا الأمر كان يتعلق بالرغبة فى عدم وصول أى معلومات عنها إلى المتشددين فى الولايات المتحدة الأمريكية خشية إفساد المفاوضات الهادفة للتوصل إلى تسوية سلمية لملف أسلحة الدمار الشامل الليبية. وبالتالى كان هناك حرص أن لا يُعلموا بالأمر إلا عندما يتم التوصل إلى اتفاق مع ليبيا.
لم يكن ذلك هو الفارق الوحيد، فالأمريكيون عادة ما يكون لديهم رؤى محددة حول كيفية تفسير المعلومات الأولية، بينما ينظر إليها البريطانيون بغير جمود بحيث يتركون الوقائع تتحدث عن نفسها. ومما يلفت الانتباه ما ذكره لى معارفى فى بريطانيا من أنه على الرغم من قيام رئيس المخابرات المركزية الأمريكية بإحاطة الرئيس الأمريكى بما لديه من معلومات كل صباح، فإن المخابرات المركزية الأمريكية نادرًا ما تشارك فى صنع القرار، على خلاف الحال بالنسبة إلى المخابرات البريطانية.
قيل لى إن نشأة البرنامج النووى الليبى، وغيره من برامج أسلحة الدمار الشامل لدى القذافى، جاءت ردًّا على الغارات التى قامت بها الولايات المتحدة فى أبريل 1986، والتى قتلت فيها ابنة القذافى المتبناة.