Thursday, September 27, 2012

طارق الشناوي يكتب في التحرير :- المرشد والزعيم



أفردت كل الصحف المصرية والعربية مساحة ضخمة من الاهتمام لهذا اللقاء الذى شاهدناه فى سفارة المملكة العربية السعودية فى أثناء الاحتفال بالعيد الوطنى، حيث جمع بالمصادفة بين عادل إمام باعتباره رمزا للفن المصرى والعربى ومحمد بديع، المرشد العام رمز الإخوان المسلمين، فهو -كما يبدو لأول وهلة- عناق بين الثلج والنار.
كانت الصورة تعلن للجميع أن عادل إمام الذى كان قد حصل قبلها بأيام على البراءة من تهمة ازدراء الأديان يحظى بقبول خاص من محمد بديع، حيث بادره قائلا أهلا بالنجم الكبير، ونحن نحترم الفن المشرف، وكان رد عادل إمام الفورى هو ابتسامة رضا علت وجهه، وأضاف: لماذا لا يقال هذا الكلام فى التليفزيون؟
تستطيع أن تدرك أن عادل إمام يستظل بالحاكم، ولا أتصوره، طبقا لتركيبته الشخصية، من الممكن أن يتحمس من الآن لما يمكن أن يغضب التيار الإسلامى.. سوف يسارع بتقديم فروض الطاعة والولاء كعادته للسلطة الحاكمة، لقد كان حتى اللحظة الأخيرة فى صف مبارك وبعد سقوطه تمسك بشفيق، وهو الآن ليس لديه غير أن يبحث عن أحضان مرسى وبديع.. فى أثناء تداول قضية ازدراء الأديان قرر الكاتب وحيد حامد والمخرج شريف عرفة كنوع من التحدى تقديم جزء ثان من «طيور الظلام»، على الفور سارع عادل خوفا من التيار الإسلامى بتأكيد أنه لا علاقة له بهذا الجزء!
المرشد يصف الفن الذى ترتضيه الجماعة بالمشرِّف، وهو يكرر ما يعلنه على الأقل 90% ممن ينتمون للتيارات الدينية فى مصر، فهو تنويعة على مقولة «حسنُه حسن وقبيحُه قبيح»، أو «حلاله حلال وحرامه حرام».. هل معنى ذلك أن جماعة الإخوان تحلل الفن الذى يقدمه عادل إمام؟ بالتأكيد لا.
عدد كبير من المشايخ الذين تعاطفوا مثلا مع إلهام شاهين عندما اتهمها أحدهم فى عرضها وشرفها لم يكن انحيازهم لإلهام دفاعا عن الفن الذى تُقدمه، ولكن لأن الرجل الذى ننسبه خطأ إلى الإسلام تطاول على سمعتها، ولا يمكن أن يتصور أحد أن هؤلاء المشايخ يبيحون ما تقدمه إلهام وأخواتها.
ما الجديد فى ما قاله المرشد لعادل عما صرح به عندما ذهب أشرف عبد الغفور إلى مقر الإخوان قبل نحو عام فور اختياره نقيبا للممثلين كان الانتقاد أكبر، ويبررون ذلك بأن أشرف هو الذى ذهب طالبا البركة، بينما عادل أخذ البركة صدفة.. المسافة بين المرشد وما كان يقدمه عادل إمام تبدو شاسعة، بينما أشرف عبد الغفور كل رصيده أو أغلبه للدقة هو أعمال دينية أو تاريخية يرضى عنها التيار الإسلامى ويراها حلالا بلالا.
المأزق ليس فى أن التيار الإسلامى يبيح جزءا من الفن الذى يصفونه أحيانا بالهادف، وتارة بالمشرف وأخرى بالنظيف وكلها تنويعات على مرادف واحد، وهو المرجعية الدينية أو لو اتسعت النظرة نصفها بالأخلاقية، وهنا تتباين النظرة وهى أننا لا نعرف فنا مؤمنا وآخر كافرا.. المعايير التى سوف تطبق فى تعريف الفن وتحليله أو تحريمه هى التى نختلف معها ولا يمكن للمرشد مثلا أن تطلب منه الموافقة على القسط الوافر من أفلام عادل إمام التى أختلف أنا مع عدد منها فنيا أيضا، ولكن المرشد أو المفتى أو شيخ الجامع الأزهر أو البابا لو طلبت منهم أن يجيزوا فيلما مثل «بوبوس» سوف يرفضونه بالإجماع، فهو تنطبق عليه قاعدة حرامه حرام.. بالمناسبة هو واحد من أردأ -إن لم يكن أردأ- أفلام عادل إمام، وأرى أن اسمه الحقيقى هو «بوس بوس» فلا شىء فى الفيلم سوى غابة من المشاهد الساخنة والقبلات، ولكنى لن أصادره والعقاب القاسى للفيلم الردىء هو أن يزدريه الجمهور فى شباك التذاكر.
تلك هى نقطة الاختلاف، أن نرفض الفيلم فنيا أم دينيا.. المرجعية الدينية مطلقة، لأنها لا تتحفظ ولكنها تُحرم وتصادر، ولو عدنا إليها لن نسمح بأغلب الأعمال الفنية لا فيلم ولا أغنية ولا لوحة.. مثلا فى الأغنية الوطنية «بالأحضان» التى كتبها صلاح جاهين، ولحنها كمال الطويل، مقطع يقول فيه عبد الحليم «فى صلاة العيد عيد الثورة بناديك يا رب» سوف يعترض رجل الدين، لأن الصلاة لا تجوز شرعًا إلا فى العيدين الفطر والأضحى.. لقاء المرشد والزعيم مانشيت وصورة غلاف وبعد ذلك اِنْسَ!

No comments:

Post a Comment