Saturday, September 29, 2012

الأستاذ أيهاب وهبة يكتب أمن سيناء مرة أخرى




تعرضت فى مقالات عديدة سابقة إلى موضوع الأمن فى شبه جزيرة سيناء، غير أننى أجد نفسى مضطرا لمعاودة الكتابة فى الموضوع، بعد أن اتخذ هذا الأخير أبعادا جديدة وخطيرة، ليس أقلها شأنا حديث الولايات المتحدة وإسرائيل عن سيناء باعتبارها منطقة خارجة عن السيطرة المصرية، وتنعدم فيها ممارسة القانون والحفاظ على الأمن والنظام!

أودُّ معالجة الأمر من ثلاث زوايا، أولها وسيلة تعديل ترتيبات الأمن التى تم الاتفاق عليها فى معاهدة السلام مع إسرائيل، والثانية موضوع الأنفاق، وأخيرا قضية التعامل مع قطاع غزة بشكل عام.

●●●

ففيما يتعلق بالشق الأول، لاشك أن الكل ــ فى مصر وفى خارجها ــ على يقين بأن ترتيبات الأمن التى تضمنتها المعاهدة الموقعة منذ أكثر من 33 عاما، لم تعد لتتناسب مع الأوضاع الأمنية الحالية فى سيناء، وخصوصا ما تعلق منها بالمنطقة المحاذية لحدود مصر الدولية مع غزة ومع إسرائيل والتى يطلق عليها المنطقة «ج». راجت الآن تجارة السلاح بجميع أنواعه بشكل لم يسبق له مثيل، وأكثر من هذا نشطت عمليات تهريب السلاح عبر الحدود، وهى عمليات تدر الكسب الوفير على القائمين بها. وأصبحنا الآن نجد الأسلحة الآلية والمدافع والصواريخ فى أيدى الأفراد والجماعات، والأخيرة لها أجنداتها وأهدافها. ومع سقوط النظام فى ليبيا، وكميات السلاح الضخمة التى ألقيت جوا على الثوار دون ضابط أو روابط، وتلك التى تم الاستيلاء عليها من مخازن السلاح الليبية، ثم تهريب كميات ضخمة من هذه الأسلحة المتطورة عبر الحدود الغربية لمصر ومنها إلى سيناء ومناطق أخرى. إذن فنحن نواجه جماعات مسلحة بسلاح متطور فى مقابل تواجد أمنى متواضع للغاية فى المنطقة «ج» المحاذية للحدود وبعمق نحو 20 كيلومترا، حيث تحصر المعاهدة التواجد الأمنى فى هذه المنطقة فى قوات «الشرطة المدنية المسلحة بالأسلحة الخفيفة». وسط ذلك الخلل الواضح فى نوعية التسليح وحجمه نشطت جماعات مسلحة فى هذه المنطقة منذ عدة سنوات، وقامت بأعمال تخريب مرة فى طابا وأخرى فى نويبع، وكذلك فى شرم الشيخ. وتمكنت هذه الجماعات من تفجير خط أنابيب الغاز الطبيعى (الذى يمد أيضا دولة عربية شقيقة وهى الأردن باحتياجاتها) أكثر من 15 مرة.

غير أن الجريمة الشنعاء، والمريبة فى نفس الوقت، التى وقعت يوم 5 أغسطس الماضى، والتى استشهد فيها ستة عشر جنديا من حرس الحدود المصرى، لم يكن لتمر دون رد فعل قوى وفورى. دفعت القوات المسلحة وقوات الشرطة بأعداد من قواتها وبأسلحة ثقيلة ومتقدمة إلى شرق سيناء من أجل مطاردة هذه العصابات الإرهابية. وبالرغم من النجاح الذى حققته هذه القوات فى حملتها، فإن هذه الجماعات ما زالت تطل برأسها من حين لآخر لتهاجم المقار الأمنية ونقاط التفتيش. واتخذت الهجمات بُعدا جديدا بحصار ومهاجمة مقر القوة متعددة الجنسيات بالجورة يوم 6 سبتمبر الحالى وإلحاق إصابات بأفرادها.

كان لإسرائيل نصيب من هذه الهجمات كان آخرها يوم 21 سبتمبر الحالى، عندما قُتِلَ جندى إسرائيلى وأصيب آخر بواسطة جماعة مسلحة ادعت إسرائيل أنها تسللت عبر الحدود من سيناء. وهذا الحادث هو تكرار لحادث آخر وقع فى 18 يوليو الماضى عندما قُتِلَ أحد العمال المشاركين فى إقامة سياج عازل بين إسرائيل ومصر، وقامت إسرائيل أثر ذلك بتقديم شكوى رسميه لمجلس الأمن الدولى. وتتخذ إسرائيل من هذه الهجمات ذريعة لانتهاك الأراضى المصرية، مثلما وقع فى شهر أغسطس من العام الماضى عندما استشهد ستة من جنود حرس الحدود المصرية. وصل الأمر مؤخرا بأحد المواقع الإخبارية الإسرائيلية إلى القول بأن نيتانياهو قد يأمر بعمل عسكرى ضد «الإرهابيين» فى سيناء أو تنفيذ عمليات تصفية جسدية لهم مثلما يحدث فى غزة!

●●●

تبدى إسرائيل موافقتها أحيانا على دخول المزيد من القوات المصرية إلى مناطق سيناء الشرقية، وأحيانا أخرى تقيم الدنيا ولا تقعدها متهمة مصر بخرق معاهدة السلام، لا يمكن لمصر أن ترهن تحركاتها التى تستهدف الحفاظ على أمنها القومى بالأهواء والأمزجة الإسرائيلية. ويحتاج الأمر إلى معالجة الموضوع بشكل جذرى، بمعنى تفعيل ما نصت عليه معاهدة السلام من إعادة النظر فى ترتيبات الأمن بناء على طلب أى من طرفى المعاهدة. وأسمح لنفسى باقتراح الخطوات التالية فى هذا الصدد بما يضمن الاستجابة لطلباتنا:

أولا: تقدم مصر بطلب رسمى لفتح باب التفاوض بينها وبين إسرائيل حول تعديل ترتيبات الأمن فى المنطقة المحاذية للحدود (المنطقة ج) استنادا إلى نص الفقرة الرابعة من المادة الرابعة فى المعاهدة. ويتعين أن تطلب مصر تواجد مناسب لقواتها فى البر والبحر والجو فى هذه المنطقة، وبالتسليح المناسب بما يردع تلك العصابات التى استباحت لنفسها هذه المنطقة عن مواصلة أعمالها الإجرامية، وبما يُمكّن قواتنا من التعامل معها بالفاعلية اللازمة.

ثانيا: يتعين على إسرائيل الرد على الطلب المصرى فى فترة لا تتجاوز الثلاثة أشهر وفقا لما نص عليه المحضر المتفق عليه بين طرفى المعاهدة والمرفق بها.

ثالثا: قيام مصر بمطالبة الولايات المتحدة بإلقاء كل ثقلها وراء الطلب المصرى، أخذا فى الاعتبار أن الولايات المتحدة كانت شريكا كاملا فى مفاوضات المعاهدة ووقع رئيسها على المعاهدة بصفة شاهد، وتُكرر باستمرار، خاصة فى الأشهر الأخيرة، ضرورة تعزيز مصر للأمن فى شبه جزيرة سيناء، بل تبدى استعدادها لتقديم كل ما يساعد على القيام بهذه المهمة بالشكل الفعّال.

رابعا: أما إذا رفضت إسرائيل الاستجابة للطلب المصرى والضغوط الأمريكية، فإن معاهدة السلام قد رسمت لنا الطريق الذى علينا أن نسلكه فى مواجهة مثل هذا التعنت الإسرائيلى، وذلك بتطبيق نص المادة السابعة من المعاهدة التى تقضى بأنه «إذا لم يتيسر حل الخلافات بين الطرفين عن طريق المفاوضة فتحل بالتوفيق أو تحال إلى التحكيم». ولنا فى قضية طابا أسوة حسنة، حيث لجأنا للتحكيم عندما فشلت المفاوضات، وأصدرت هيئة التحكيم حكمها التاريخى فى 29 سبتمبر 1988 بصحة الموقف المصرى وحق مصر فى السيادة على هذه الجزء العزيز من ترابها الوطنى.

●●●

وفيما يتعلق بالشق الثانى الخاص بالأنفاق، فقد أحسنت مصر صنعا بهدم أنفاق التهريب هذه أو جزء كبير منها حتى الآن. ومن المهم الاستمرار فى حملات هدم كل الأنفاق تماما، وعدم التجاوب مع أى مطالب للتوقف أو الحد من هذه الحملات تحت أى ذريعة من الذرائع. لا أتصور أن دولة تحترم نفسها تسمح بوجود أنفاق التهريب هذه التى تهدد أمنها القومى، فالحدود مصونة لا تمس، وعبورها إنما يتم خلال المنافذ الشرعية، أرضيه كانت أم جوية أو بحرية. واتصالا بذلك يتعين وضع آلية لمراقبة الالتزام بإغلاق هذه المعابر تماما بين الجانبين المصرى والفلسطينى. ومن أجل تخفيف الحصار الخانق الذى تفرضه السلطات الإسرائيلية على الأهل فى القطاع، يتعين السماح بانتقال البضائع عبر منفذ رفح الذى يربط مصر مباشرة بقطاع غزة، ولا ينحصر الأمر فى ضرورة مرور البضائع عبر معبر كرم أبو سالم الإسرائيلي، حيث لإسرائيل الكلمة الأخيرة فى السماح بعبور البضائع أو رفضها. لم أتفهم حتى هذه اللحظة الأسباب التى منعت مصر من تطوير معبر رفح بحيث يسمح بانتقال البضائع بين مصر وغزة، بتواجد الأجهزة الجمركية والحجر الزراعي، وغير ذلك. يشير البعض فى تبرير ذلك إلى اتفاق المعابر لعام 2005. وواقع الأمر أن الاتفاق المذكور تم توقيعه بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، ومصر ليست طرفا فيه، كما أن الاتفاق محدد سريانه بسنة واحدة. وأهم من ذلك أن الاتفاق نص على إمكانية استخدام معبر رفح فى تصدير البضائع من القطاع. وفى هذا الصدد أيضا أتمنى الانتهاء من دراسة فكرة قيام سوق تجارة حرة على الحدود وبما يُمكّن سكان قطاع غزة من الحصول على احتياجاتهم بأسرع وأيسر الطرق دون الالتجاء إلى أنفاق التهريب.

●●●

أخيرا أودُّ التعرض إلى موضوع علاقة مصر بقطاع غزة. هناك حساسية لدى السلطة الفلسطينية فى رام الله من إمكان تفسير الاتصالات المصرية بشخصيات فى القطاع، والزيارات التى تتم من قبل بعض هذه الشخصيات لمصر، على أنها قد تعنى اعترافا بالأمر الواقع فى القطاع والتفافا على حقيقة أن الحكومة فى غزة هى فى واقع الأمر حكومة مُقالة. وأعتقد أنه من المهم التأكيد فى جميع الاتصالات ومن خلال أجهزة الإعلام على هذه الحقيقة، وهى أن مصر لا تعترف بأى سلطة فلسطينية إلا السلطة فى رام الله، والتأكيد على حرصها على التمسك بالوحدة بين الضفة والقطاع فى إطار الدولة الفلسطينية، خاصة وأننا نسعى إلى حصول الدولة الفلسطينية على مركز قانونى متقدم فى منظمة الأمم المتحدة باعتبارها دولة غير عضو، إلى أن تحصل فلسطين بإذن الله فى القريب على عضويتها الكاملة فى المنظمة الدولية.

No comments:

Post a Comment