Thursday, September 27, 2012

وائل قنديل يكتب :- خبراء فى صناعة الاستقطاب




تشكو مصر طوال الوقت من غول اسمه الاستقطاب، ويسيل الحبر وتصرخ الميكروفونات تحذيرا من انقسام المجتمع إلى فسطاطين، أبيض وأسود، طيب وشرير، وعلى الرغم من ذلك يسلك الشاكون والصارخون على نحو يفاقم الاستقطاب ويعمق الانقسام.

لقد دفعنا ثمنا باهظا للاستسلام لمنطق ممارسة اللعبة السياسية على أرضية الهوية، وخسر التيار الليبرالى والقوى المدنية كثيرا حين جرى استهداف الناخب المصرى بكميات لا نهائية من أدوات اللعب على مسألة الهوية، تهربا من الاستحقاقات الاجتماعية والسياسية المباشرة.

وفى مجتمع تعصف به الأمية والفقر، ومتدين بطبعه، رأينا نتائج هذه اللعبة فى استفتاء مارس الشهير، سيئ الذكر، وفى الانتخابات البرلمانية، ومن هنا تأتى الدهشة من تسليم القوى الليبرالية والمدنية وإذاعانها لقواعد اللعبة كما فرضتها تيارات الإسلام السياسى، فقررت أن تتخندق فى فسطاط مضاد، وغابت قيمة الوسطية.

وقديما عرف الفلاسفة والحكماء الفضيلة بأنها وسط بين رذيلتين، فالتفريط رذيلة، والإفراط أيضا رذيلة، وبينهما تسطع فضيلة الاعتدال، لتقى الفرد والمجتمع من الشطط والتطرف، كما أن الشجاعة وسط بين الجبن والخنوع من جانب، وبين التهور الأحمق من الجانب الآخر.

ولذلك ليس من قبيل التزيد أو التربص أن تثير مسألة استبعاد شخصية مثل الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح من حوار النخبة السياسية حول دستور مصر، وبالتالى مستقبلها، الانتباه والاستغراب وربما الأسى على منهج محاربة الإقصاء بالإقصاء، والإلغاء بالإلغاء، فالرجل ينتمى إلى مشروع الإسلام الحضارى المستنير المنفتح على جميع الرؤى والاتجاهات، ولم يعرف عنه أنه ينظر للمواطنة بمقياس دينى أو طائفى، ومن ثم فإن وجوده كحالة وسيطة تمد قدما فى أرض المشروع الإسلامى، وأخرى فى أرض الدولة المدنية الديمقراطية التى يتساوى فيها الجميع بميزان المواطنة العادلة، من شأنه أن يمنع حالة الاصطكاك العنيف والخشن بين تروس الآلة السياسية فى مصر هذه الأيام، التى يبدو فيها المجتمع كله وكأنه يعيش حالة من هستيريا التقسيم والتصنيف والفرز الاستقطابى الحاد، الأمر الذى انعكس على الحالة النفسية لمصر التى تسبح فى بحيرة هائلة من التوتر.

ومن أسوأ ما يُقال فى تبرير هذا الذى جرى مع أبوالفتوح إنه ينتمى إلى مشروع إسلامى حضارى، لأن معنى هذا ببساطة شديدة أن الذين يسوقون هذه الحجة يقرون بتسليم «الفسطاط الإسلامى» كاملا مكملا للمعسكر الآخر، ويرسلون إشارة سلبية إلى الجمهور بأنهم مذعنون لاستدعاء سلاح الهوية مرة أخرى فى السجال، وقد أظهرت التجارب السابقة أن هذا رهان خاسر.

وفى المحصلة فإن أصحاب هذا التوجه يقدمون هدية ثمينة لأولئك الذين يريدون المضى فى خوض المعركة على الأرضية التى يحبونها ويفضلونها.. وهنا الخطر الحقيقى فى مجتمع بهذه التركيبة. 

No comments:

Post a Comment