Sunday, September 23, 2012

الأستاذه أميمة كمال تكتب في الشروق :- «بيزنسنا» فى دقيقنا

  لم أكن لأعذر من اتخذ القرار الشيطانى بمحو رسومات الجرافيتى بليل من على حائط الجامعة الأمريكية بشارع محمد محمود بالتحرير، لو لم أحضر فى نهار نفس اليوم مؤتمر «التنافسية» الذى عقد فى أحد الفنادق القريبة من الحائط. ذلك الحائط الأصم الذى حولته عقليات العهد الجديد إلى رمز متكلم. يستحيل أن تمحوه أشهر ماركات الدهانات العالمية، التى يستوردها حكام هذا الزمن، أو أن ينزعوا عنه ثوريته، ولو جاءوا بأحدث ما تنتجه شركات عتاة الرأسماليين من أصدقاء الحكام الحاليين فى مصر.

أعذر صاحب القرار الشرير بمحو رسومات الجرافيتى، وأجد له تبريرا منطقيا. فكيف نطالب من فى السلطة الآن أن يحافظوا على دليل إدانتهم. والحائط هو دليل الإدانة الأقوى. رسومات الحائط تذكر دوما أصحاب السلطة، والثروة فى هذا البلد أن الأوضاع بعد الثورة مقلوبة. الرسومات تقول بريشة أصحابها إن الناس العاديين الغارقين فى عرقهم هم أصحاب الثورة. وإن شهداءها لن يغفروا لمن سلب حياتهم دون حتى أن يجفف مقابلها عرق الناس. الرسومات التى رسمها ناس عاديون لا يملكون سوى ريشة، وألوان، وقلب يحلم بالحق، والعدل، ستذكرهم بأن الحق ضائع، والعدل ميزانه مائل.

●●●

من الذى أصدر ذلك القرار الشرير الذى أمعن صاحبه فى شره فجعل من ينفذه عامل غلبان لا يدرى أنهم جعلوه يطمس بيده أحد شواهد ثورته. انشغلت بالسؤال وأنا أراجع ما سجلته فى مؤتمر التنافسية الذى نظمه «المجلس المصرى للتنافسية». وهو مؤسسة مستقلة أنشأت فى عام 2005، ومازال مجلس إدارتها يضم بعض رموز لجنة السياسات بالحزب الوطنى، وآخر رئيس للحزب، ومساعدى يوسف بطرس غالى وزير المالية الأسبق، وبعض القريبين من رشيد محمد رشيد وزير التجارة الأسبق. بجانب بعض العاملين بالوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. بل أن كاميراتى سجلت حضور بعض المتهمين فى قضايا فساد بعد الثورة.

 وهذه المؤسسة كما تقول أوراقها «تسعى إلى تحقيق توافق فى الآراء الوطنية حول السياسات الاقتصادية اللازمة لتحقيق التنافسية فى مصر». ويرعى التقرير السنوى لها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. وهو ما جعل أمرا طبيعيا حضور السفيرة الأمريكية للمؤتمر.

أوراقى المكتوبة سجلت أن المنصة كانت تعبيرا حقيقيا عن مشهد الحكام الجدد فى مصر. وكيف يتقاسمون السلطة والثروة معا، وبالطبع القرار. حديث المنصة أعادنا إلى كل أجواء مؤتمرات عهد مبارك، لم ينقص المؤتمر مشهد واحد مما اعتدنا عليه. الكاميرا تسجل أن كبار رجال الأعمال من الحزب الحاكم تصدروا عدسات التصوير، بجانب رجال أعمال من العهد القديم الذين أكملوا المشهد. والاثنان يتجاوران مع لفيف من وزراء الحكومة الحالية من المجموعة الاقتصادية ويرأسهم رئيس الوزراء. ويشاركهم بعض الرموز الإعلامية التى جاورت رموز الحكم القديم. وكالعادة لم يختف من المشهد خبراء الاقتصاد الذين يقدمون الروشتات اللازمة لاستكمال الطبيعة العلمية للسياسات التى ينوون خلق توافق حولها. وبالطبع التوافق المقصود هو بين رجال الأعمال والحكومة وليس أبعد من ذلك. وحتى لم يحرموننا من مشاهد الحرس الخاص برئيس الوزراء الذى يزيح خلق الله من أمامه لزوم التأمين.

●●●

تركت العنان لخيالى قليلا، وسألت من لعله أصدر القرار بمسح شواهد الثورة من على الجدران. لعله وزير التجارة والصناعة الذى كان مديرا فى إحدى شركات الألبان الكبرى قبل توليه المنصب.. لذلك لم يعجبه كثيرا أن المصرى يستهلك فى العام 180 كيلو جراما بالتمام والكمال من القمح. يعنى أنه نهم فى أكل العيش. ولذلك دعا الوزير المصريين إلى أن يغيروا من عاداتهم الاستهلاكية، دون أن يدعوه ذلك إلى أن يتحسر على حالهم، ويعترف بأن المصرى يلتهم العيش بكل هذا القدر، ليس من باب عشقه للنشويات المصحوبة بالمسامير، ولكن بفضل سياسات وزارته التى رفعت قيمة دعم الصادرات التى يستحوذ عليها 1800 مصدر من 2.6 مليار جنيه إلى 3.6 مليار جنيه فى الموازنة الحالية. وهو ما جعل الأموال المخصصة للدعم والتعليم والصحة لا تكفيه لكى يحيا حياة البنى آدمين. ولا يستطيع سوى 76% فقط من الأطفال الفقراء أن يكملوا مراحل التعليم الأساسية، وتكلفة التعليم قللت من بند الغذاء على مائدة المصريين.

 ولكن هناك احتمالا أن يكون هذا الوزير مظلوما، ولم يكن له يد بخصوص محو آثار الثورة من على حائط محمد محمود. حتى لا تتذكر الحكومة أن حقوق الفقراء قبل حقوق المصدرين. وفى هذه الحالة، ربما يكون من فعلها هو كبيرهم الذى أراد أن يعيد الاعتبار لاثنين من رموز العهد القديم. وأكد بما لا يحتمل الجدل بأن ظلما كبيرا ألم بكل من الدكتور غالى والمهندس رشيد، وأنهما أديا دورا اقتصاديا لهذا البلد. ولأن التوافق فى هذا المؤتمر كان شبه كامل ما بين حكومة الثورة، وبين رجال أعمالها فلم يرد أحد غيبة الملايين من اصحاب المعاشات الذين حرموا من حقوقهم التأمينية التى اغتصبت بفعل فاعل متعمد وبقصد من الوزير غالى. التى أدخلها ضمن موازنة وزارته دون أى عقدة ذنب تستوجب منه الاعتذار لهم. وكذلك عندما قال نفس رجل الأعمال إنه ضد صدور قرار بالحد الأقصى للأجور والذى يصل فى بعض الأحيان راتب مستشار واحد لما يكفى مائة موظف لكى يزيد إلى رغيف العيش الذى يعاتبه عليه الوزير قطعة جبن أو كوب لبن أو شريحة لحم أو توصيلة تاكسى بدلا من زنقة الأتوبيس الأحمر. عندما قال ذلك زادت أدلة الاتهام لدى.

●●●

قلت ولما لا يكون الفاعل هو رجل الأعمال الآخر، ذلك المستثمر الذى اشترى إحدى شركات القطاع العام التى تم خصخصتها قبل الثورة. وباع قطعة من أراضى الشركة الزائدة على حاجته. فعندما اعتدل فى جلسته على المنصة، وقال بمنتهى الثقة إنه من الواجب أن نعود عن التفكير فى الاكتفاء الذاتى من القمح. ويكفى أن نوفر مخزون ثلاثة أو أربعة اشهر فقط، وان نوفر المياه التى يستنزفها القمح فى محاصيل أكثر تنافسية فى التصدير، ونستورد بقية احتياجاتنا من الخارج. عندما قال ذلك ذكرنى بأحاديث دوائر جمال مبارك التى اعتبرت أن أحاديث الاستقلال الاقتصادى هى من قبيل الطنطنة السياسية. لذلك ثار لدى شك من أن صاحب الحديث هذا له مصلحة مؤكدة فى محو ذاكرة الثورة. التى نادت بان يكون القمح قبل الفراولة شعارا.

وربما لا يكون رجال الأعمال، ولا الوزير هم مصدر القرار. ولكن لما لا يكون بعض الاقتصاديين من مراكز البحث القريبة من أذن اصحاب القرار. فعندما تقول إحدى الاقتصاديات أن تكلفة فصل الموظف فى مصر زادت لتصل إلى 128 اسبوعا (مقاسة بالأجر) بالرغم من ان قانون العمل فى مصر يتيح مرونة أكثر فيما يخص الفصل. وهذا يخلق عاملا محبطا للشركات لتشغيل العمالة بالأجر الكامل. وتدعو إلى مزيد من المرونة فى القانون حتى لا يؤدى التشدد فى القوانين إلى البطالة. فى هذه الحالة لماذا لا أضعها فى عين الاتهام. لأنها لا تريد أن ترى صور الآلاف من العمال المشردين فى طول مصر وعرضها من جراء التشدد الذى تراه، وتطالب بالمزيد منه.

●●●

ولكن الحقيقة أستبعد أن يكون الإعلامى الشهير الذى كان يدير الحوار هو من أصدر القرار، ولكن لا استبعد أبدا أن يكون اول من رحب به، وبالمراجعة الدقيقة لما سجلته كاميراتى وأوراقى داخل المؤتمر لا استبعد أحدا من القرار، ودليلى أنه عندما وقف الدكتور أحمد البرعى وزير العمل الأسبق محاولا تذكير الجميع فى كلمات قصيرة جدا «خدوا بالكم من الغضب الاجتماعى القادم» لم يلتفت واحد من رجال الأعمال، ولا من أعضاء الحكومة، ولا رئيسها، ولا الحزب الحاكم. وأكملوا احاديثكم وكأن شيئا لم يكن. عندها عرفت أن جميعهم من أصدر القرار حتى لو كان الذى نفذه مسئول صغير فى المحافظة.

No comments:

Post a Comment