Sunday, September 30, 2012

وائل عبد الفتاح يكتب حرب المظاليم



لا تعودوا». لن نعرف بالتأكيد من كتب هذه العبارة على سور الكنيسة المحترقة فى رفح، لكننا يمكن تخيُّل هذه النفسية السوداء التى تفرح فى طرد وترحيل عائلات من بيوتها.
لا يهم هنا هل هو قرار رسمى بالتهجير أو مشاعر خوف متضخمة عند العائلات المسيحية جعلتها ترضخ لتهديدات الجماعات الإرهابية وتترك بيوتها بعد أن اكتشفت أنه لا دولة فى سيناء يمكن أن تحميها!
دولة لم تهتز، لأن عائلات بكاملها تُجبَر (خوفا أو سياسة) على البحث عن «بيوت بديلة»، وهذا ما تكرر فى دهشور وقبله فى العامرية، وكانت التصريحات الرسمية دائما تنكر فكرة «التهجير» لا فرق بين عسكر ورئيس إخوانى منتخب.
الإنكار يدل على قبول جزئى بأن رحيل المسيحيين من مناطق التوتر هو الحل.
والإنكار هو المقدمة للحل الذى يتلخص فى ٣ خطوات:
1- مجلس عرفى بقيادة متطرفين يغلِّبون الأمر الواقع على كل شىء.
2- يعود بعض المسيحيين فى حالة الضغط الإعلامى أو الحقوقى.
3- لا يحاكَم أحد من المتسببين فى التهجير القسرى وهو جريمة لم يحاكَم أحد بسببها.
الشخص الذى وجّه رسالة «لا تعودوا» إلى المسيحيين فى رفح ليس بالضرورة إرهابيا ولا منتميا إلى جماعات مغلقة.. لكنه ابن ثقافة ترى أن هذا البلد ضيق على أهله ولن يتحملنا جميعا.
وهنا لا بد من فرض أمر واقع بالضغط على أكثر من جهة.. أهمها ترهيب المسيحيين أو نشر مشاعر الخوف التى تجعلهم لا يشعرون أنهم مواطنون، ولكن ضيوف يجب أن يقبلوا بحقوق منقوصة فى إطار «بلطجية الأغلبية».
إنها حرب المظاليم.
الدولة المستبدة ظلمت الجميع ولم تعترف بمواطنة إلا الدائرة الصغيرة المحيطة بالسلطة.
الملايين خارج هذه الدائرة هم مظاليم.. وضحايا.
ولأن تفكير الضحية والمظلوم مغلق، لا تجد طريقا للتخلص من الظلم إلا بظلم الأطراف الأضعف.
هذا هو الوعى الذى كرس الأفكار الطائفية والعنصرية الساذجة وجعلها عصب تفكير طائفى/عنصرى مغروس فى تربة، ليس لها تاريخ فى الطائفية أو العنصرية.
هكذا تحولت الثورة إلى حرب مظاليم.
حرب تقودها تنظيمات خارجة من ثقافة ترى الحل فى تحويل البلد كله من شعب إلى قبيلة.
الشعب متعدد والقبيلة نُسخ متشابهة.
يريد المظلوم المسلم أن يقتل المظلوم المسيحى ليشعر بانتصاره على الظلم.
ويريد الرجل أن يعيد المرأة خطوات ليشعر بذكورته المنقوصة.
هذه هى العقلية التى ترفض أن نتساوى جميعا فى المواطنة، تتصور أن المواطنة يمكن أن تخضع لكتالوج يقصى كل من هو خارجها.
هذه العقلية المنحطة تريد فرض سلطتها الآن، بعد أن غابت السلطة التى كانت تقهر الجميع.
هذه العقلية التى رضيت بالقهر تريد فرض قهرها من جديد، تريد أن تحول العلاقة بين الرجل أو المرأة إلى هوس ذكورى بإخفاء المرأة وتجعل الهوية الدينية بوابة الحصول على الحقوق أو الشعور بالأمان.
هذه العقلية تعادى ما ليس يشبهها.
ولهذا يلمع المتطرف الآن.. ماذا ستفعل مع المختلف معك؟ هل تقتله؟ هل سيقتل الإسلاميين المختلفين معه أم سيجبرهم على الرحيل من مصر؟
هل سيفرضون مصر المتخيلة فى عقل مشايخهم، وساعتها انتظروا حروبا أهلية يومية وخروج مصر كلها من التاريخ وإعلانها تحت احتلال وطنى جديد.
الثورة خلصتنا من احتلال الجنرالات والآن المشايخ يريدون إعلان وقوع مصر فى أسر الغزاة.
يا من كتبت هذه العبارة بعد أن أحرقت الكنيسة..
أنت منحط وإرهابى.
لن يزيد تدينك بهذه الجرائم.
والأهم أن تعرف أنك لست وحدك فى هذا البلد.
لا أنت ولا من يشبهونك.
هذا بلد، حياته فى تنوعه، والمواطنة فيه ليست مِنَحًا توزَّع حسب الهوية الدينية أو الجنسية.
هذا بلد سىموت إذا مات فيه حق الأقليات أو انتصر المظلوم الأكثر عددا على المظلوم الأقل عددا.. أو قُهر فيها الفرد لصالح القطيع، فالثورة لم تكن دورة فى مصارعة المظاليم.

No comments:

Post a Comment