Thursday, September 27, 2012

وائل عبد الفتاح يكتب في التحرير :- تصاريح قتل باسم الله!



ليس لأن كلام البرهامى حرض ضِمنًا على قتل من يراه شخصٌ ما خروجا على شرع الله.
وليس لأن القتلة يتكلمون فى التليفزيونات فخورين بجرائمهم يستعرضون كل ما لديهم من كتاب محفوظات جعلهم يقتلون وهم فى غيبوبة الفتاوى.
وليس لأنه أصبح ممكنا أن يقتلك أحد ويقول إن هذا تنفيذ لشرع الله. ولكن لأننا نريد أن نفهم ما المقصود عندما يقول البرهامى وإخوته «شرع الله»؟
علما بأنه عندما قتلت المجموعة الإرهابية الجنود على بوابات رفح قال البرهامى ومن شابهه «إنهم التكفيريون». والتكفيريون طبعًا قالوا إن هذه الجريمة «من أجل شرع الله».. ما الفرق بين شرع الله الذى يتكلم عنه البرهامى والذى تكلم عنه التكفيرى؟
وأمثال البرهامى كانوا تكفيريين متطرفين قبل أن تصلهم حكمة الاعتدال.
قتلة السادات اعتذروا بعد مرور ٢٠ سنة على جريمتهم فى إطار ما عرف باسم توبة الجماعة الإسلامية التى تمت على مرحلتين: الأولى مبادرة نبذ العنف فى 1996 والتى كانت تشبه إعلان وقف إطلاق النار من جانب الجماعة. وتلتها مراجعات فكرية أُعلنت عام 2003.. وتم بناء عليها الإفراج عن أمراء الجماعة الذين قالوا ما هو أبعد من «التراجع عن فكرة قتل الرئيس».. اعتذروا.. وقالوا إن «السادات مات شهيد الخطأ الذى ارتكبوه».. وهذه لعبة أخرى تمنحهم الحق فى منح صك الشهادة فى وقت إصدار حكم الإعدام فى وقت آخر. وهذا ضد فكرة السياسة المدنية المعتمدة على أنه ليس هناك من يملك الصواب أو الخطأ. ليس هناك سلطة عليا تملك الحقيقة النهائية. هناك ملعب.. وقانون للعب.. وصراع بين بشر.. وليس بين وكلاء الله على الأرض يقومون بكل شىء بدلا من الشعب.. ويمنحون تراخيص بالقتل وصكوكا للجنة.
من أنتم إذن؟
تقتلون على هواكم ثم تعتذرون وتقولون إنها كانت «أيام مراهقة» ليظهر بعدكم مراهقون آخرون، يقتلون ويعتذرون، إلى متى؟!
تتسرب معلومات من مسؤولين حاليين عن وجود عدد كبير من أعضاء السلفية الجهادية، ليس فى سيناء كما كان الاعتقاد السائد، ولكن فى شبكة لديها خطوط دولية. السلفية الجهادية أرسلت إلى المرسى رسالة بأن «بينها وبينه خيطا رفيعا فلا تقطعه».. وذلك تعليقا على الحكم بإعدام ١٤ إرهابيا هاجموا قسم العريش فى معركة بالأسلحة الثقيلة.
لا يريد المسؤولون الإعلان عن وجود هذه الجماعات، لكنهم يريدونها ذريعة للحصول على قوانين استثنائية، وبدلا من المواجهة المفتوحة ما زال عقل الدولة قديما يريد رخصة بالاستثناء.. كما حدث فى الفترات من ١٩٩٠ إلى ١٩٩٤. الآن ما يحدث فى سيناء هو بقعة ستنشط من حولها البقع الأخرى لنعود إلى مصيدة الإرهاب باسم «شرع الله» وهذه المرة تحت رعاية وفى حماية خطاب وجوه موجودة فى السلطة وأخرى تكتب دستور نفس الدولة التى يكرهونها أو يرونها ضد شرع الله!
هل هى موجة إرهاب جديدة؟
أم أنها مصيدة يكسب منها المرسى كما فعل مبارك فى جمع الشمل حوله باعتباره مركز الاعتدال؟
الوضع الآن مختلف، فالخطاب التكفيرى الناعم والمسلح فى قلب المشهد لكن ضد المجتمع، لا الدولة. يريدون فرض السلطان عبر خطف الدستور بالفهلوة، وفرض السلطان على سيناء بالسلاح، والخطوط هنا ممتدة بين فِرق ولو متناقضة أو متحاربة، لكنها تؤدى أدوارًا كلها تلتقى عند شىء واحد، إخضاع المجتمع لكارهى الحياة الحديثة.
إنهم يغلقون «شرع الله» ليصبح فى جرابهم وحدهم.. يستخدمونه كما يريدون.. فائدة البنوك حرام.. لا ضرورة.. ليس المهم كم الفائدة.. دوامة لن تخرج منها إلا شاعرا بالعار والارتباك.. بالضبط كما يحدث عندما تنظر لطفلتك ابنة الثمانى سنوات وأنت تسمع مشايخ يقولون لك إن سترتها فى زواجها فتشعر بالخجل أو بالذنب: كيف تترك ابنتك عارية؟ كيف تحمى أخلاقها؟ وإما أن تئدها كما يفعلها أهل الجاهلية أو تزوجها لمن فى عمرك كما يريدون أن تفعل وكله بـ«شرع لله».
كيف نخرج من دوامة مشايخ تصاريح القتل وتراخيص النزوات الجنسية؟
أقرأ الآن فى كتاب هام للمستشار السابق عبد الجواد ياسين عنوانه «الدين والتدين» (دار التنوير).
الكتاب يأتى بعد رحلة للمؤلف من تطرف كان ينفذ فيه حد قطع اليد والجلد على المتهمين فى محاكم هذه الأيام إلى فهم واسع للدين، جعله يكتب خلاصات رائعة من بينها مثلا: «إن النص الدينى (الصحيح) يتضمن ما هو مطلق ثابت يمكن وصفه بأنه من الدين فى ذاته» وما هو اجتماعى قابل للتغيُّر ولا يجوز إلحاقه بالدين فى ذاته».
ويقول أيضا: «الإيمان بالله والأخلاق الكلية وحدهما، المطلق فى الدين، أما التشريع فهو مرتبط بالتاريخ».
سأكمل الكتاب وربما يكون لى عودة إليه مرة أخرى.. لكن ما يبقى هو أن المعرفة والتفكير تخرجك من القطيع.. ولا تخرجك من الدين. نتكلم عن المعرفة طبعًا، وليس عن كتب المحفوظات الخاصة بتربية القطيع

No comments:

Post a Comment