Sunday, September 30, 2012

ناصر عبد الحميد يكتب فى بيان التكفير



بنفس الثقة التى ألصق بها السيد وجدى غنيم الكفر بأعضاء حزب الدستور والأحزاب الليبرالية كافة، أرى بنفس الثقة أن حسابه مع الله لن يكون سهلا وأن توزيعه للكفر هكذا على عباد الله «جملة وقطاعى» سيكون أثره عسيرا، إلا إذا تاب عنه الشيخ واستغفر ربه وأعلن مرة أخرى على الملأ أنه كان يقول أى كلام لأنه كان منفعلا مثلا أو واكل صحن كبير من الفول على الصبح فغشى بظلاله على الصحيح فى رأسه، أما لو استمر هكذا فله أن ينتظر يوم الحساب اختصام الآلاف الذين كفّرهم له أمام المولى عز وجل، حيث وجه المدعو هكذا بثبات وتجرؤ يُحسَد عليه لومه إلى السيد محمد يسرى سلامة على دعوته الناس لدخول حزب الدستور، وذكّره بحساب الله، ثم أردف بأنه لا يفهم «ليبرالى أو علمانى أو حداثى فكله كافر كافر».
والواقع والحادث أيضا أن هذه الظاهرة ليست وليدة اليوم ولا البارحة، فقد فعلها الخوارج وكفّروا على بن أبى طالب بعد أن كانوا يحاربون معه، وهم الفئة المتطرفة المتزمتة متحجرة العقل والفكر الذين استحلوا بعد ذلك دماء أهل الذمة وأموالهم، وهم الذين تكونوا بعد معركة صفين ورفضوا نتيجة التحكيم وعينوا عليهم وليا وشقوا صف علىّ كرم الله وجهه، ولم يكتفوا بذلك فحسب بل كفّروا عثمان والحكمين وأصحاب الجمل وكل من رضى بتحكيم الحكمين، ويمكن أن تحسب هذه كبداية لنشأة هذه الظاهرة بين المسلمين، أما على بن أبى طالب فرفض فكرة تكفيرهم وتبعه فى ذلك بعدها أهل الرأى رغم كل ما فعلوه وقالوه ووصفوهم بالفاسقين خشية النصوص الكثيرة التى تحذر من الاجتراء على إخراج أحد من الإسلام.
المهم هنا واللافت للنظر أيضا أن هؤلاء الخوارج رفعوا شعار «لا حكم إلا لله»، كموقف من التحكيم، وبالطبع فهو حق يُراد به باطل ولكنهم استخدموا ذلك لاستقطاب بسطاء الناس باسم التمسك بكتاب الله، وقد كانوا كثيرى التعبد وقراءة القرآن على فكرة، وهكذا ببساطة يمكنك أن تقيس اليوم بالبارحة فى ما يتجاوز السيد وجدى غنيم بكثير وما يمكن أن يحدث فى المستقبل من استغلال الدين فى الحكم والسياسة، فتجارب البشر والمجموعات وطبائعهم تتكرر، وستظل حتى قيام الساعة إما بالمثل تماما وإما بتصرف.
على جانب آخر فإننى أرى أن مثل هذه الفتاوى التى تطلق فى الفضاء كل ليلة وضحاها خصوصا التكفيرى منها له جزء آخر إيجابى، حيث إنها التجربة العملية لعموم الناس للتعلم بالمشاركة والمراقبة والحكم بالبديهية والتلقائية دون تعقيد، فلما يستمع أحد العامة المصدقين إلى هذا الشيخ مثلا، شيخ لكبر السن، ويجده يكفّر آلافا من المنتمين إلى أحزاب معينة وبالمصادفة يكون أحد أعضاء هذا الحزب أو ذاك أحد أقربائه، أو أخاه أو أباه أو بنته مثلا، أو جارا له يَخبره جيدا، أو أصدقاء لابنه يطمئن لاستضافتهم فى منزله، أو زميلا فى عمل، أو أحد المارين عليه ليل نهار، لا بد من أن صدمة كهربائية ستطاله، فلا يمكن أن يكون هذا الذى يعلمه شخصيا كافرا أو فاسقا، وإن أخطأ فكل ابن آدم خطَّاء، على طريقة أنه لا يمكن أن يكون حسين ابن الحاج وهدان من أعداء الوطن كما عبر أحمد سبع الليل فى فيلم «البرىء»، بعد أن اكتشف الزيف الذى يلقيه المستبدون الطغاة أصحاب المصالح فى الفيلم على مسمعه ليل نهار، حتى غيروا من سلوكه وحقنوا فى قلبه العداوة والغلظة على غير فطرته السليمة البريئة التى فطره الله عليها فصار جلادا بيديه النقيتين.
أما اللافت والغريب هنا فهو أن السيد وجدى غنيم بعد أن وصف معارضى الرئيس والنخبة فى مصر بالصراصير والفئران التى تعيش فى النجاسة، وأنهم كالكلاب المسعورة والخنازير لجهرهم بمعارضة الرئيس ومطالبته له بأن لا يعبّرهم فى جزمته، لأن جزمته أنضف منهم، جاء بعدها مذهولا يعتب على الرئيس بعد لقائه الفنانين كأن به صدمة بعد أن قال الرئيس فى لقاء الفنانين إنه يقدر دورهم فى النقد، وإن الفن والإبداع فى خدمة الوطن وطالبهم بأن يعملوا ويزيدوا، فيعتب عليه بأنهم سيفهمون كلامه غلط، وهو أمر مثير للشفقة على الشيخ الذى لم يستطع هو من بعد ما سمعه من كلام الرئيس أن يفهم أى شىء أو أن يدرك أى شىء أو يحلل أى شىء، فهذا الكلام قاله الدكتور مرسى بعظْمة لسانه، والفن الذى يراه هو دعارة وفجورا يراه الدكتور مرسى إبداعا وفى خدمة الوطن.
ملحوظة: أنا أقدّر للشيخ وجدى غنيم موقفه من حسنى مبارك.

No comments:

Post a Comment