Sunday, September 30, 2012

فهمي هويدي يكتب ارفعوا أيديكم عن عبدالناصر



أصبحت أخشى على عبدالناصر من الذين يهتفون باسمه هذه الأيام ويتدثرون بعباءته، حتى أزعم بأن الرجل لو بعث حيا لأدهشه وأغضبه أن يزج باسمه فى الكثير مما يجرى، ولتمنى ألا يأتى البعض على سيرته فيما يقولون ويفعلون.

خصوصا أولئك الذين يحاولون تقمص شخصيته والادعاء بأنهم خلفاء له. وكان الرئيس الليبى السابق معمر القذافى أبرز هؤلاء، منذ استغل عبارة قالها الرئيس الراحل بحسن نية ذات مرة أثناء زيارته لليبيا، ووصف فيها صاحبنا بأنه أمين على الثورة العربية والقومية العربية. ومنذ ذلك الحين حولت أبواق القذافى تلك الشهادة إلى نشيد وطنى يتردد كل يوم تقريبا. واعتبرها الأخ العقيد صكا أرضى به غروره وطموحه، وأذل به شعبه إلى أن كشفت الثورة الليبية عن حقيقته وعاقبته بما يستحقه.

أستغرب تمسح بعض الفلول فى اسم عبدالناصر وزعمهم بأنهم امتداد له. وجنود أوفياء لثورة 23 يوليو، فى حين أنهم بقايا نظام كان بمثابة انقضاض على أهم ما مثله عبدالناصر، على الصعيدين الوطنى والاجتماعى. لقد حاولوا ان يستخدموا اسمه وقبره فى إطلاق المظاهرات المعادية للثورة. وطالعنا رسالة لأحدهم فى ذكرى وفاته (28 سبتمبر) حيا فيها «الزعيم الخالد» وأعلن التزامه بمبادئه ونهجه، فى حين أنه هو من قال أن مبارك وليس عبدالناصر هو مثله الأعلى، فى مراهنة ساذجة على ضعف ذاكرة المصريين. وكان ذلك من قبيل الإفراط فى الادعاء والتدليس، إذ لم يجد صاحبه غضاضة ولا فرق بين من كان كنزا استراتيجيا لإسرائيل، ومن كان عدوا استراتيجيا لها. تجلت تلك الفجاجة أيضا فى أداء نموذج لأحد المهرجين الذين ظهروا فى الساحة السياسية مؤخرا. فصاحبنا هذا الذى يتمسح الآن فى ثياب عبدالناصر، كان قبل عدة أشهر ضيفا على حزب الكتائب اللبنانى، وألقى خطبة اعتبر فيها زعيم الحزب سمير جعجع الذى تلاحقه شبهات واتهامات عديدة تشينه سياسيا ــ سواء فى ارتكاب جرائم القتل فى الداخل أو فى تعامله مع إسرائيل وغيرها من الدوائر المشبوهة ــ ويعتبر ان ذلك الدور المشبوه كان «ملهما» للثورة المصرية!

خلال السنوات الأخيرة لاحظنا أن إرث عبدالناصر تنافست عليه أربع مجموعات على الأقل ظهرت تحت مسميات هى: الحزب العربى الديمقراطى ــ وحزب المؤتمر الشعبى الناصرى ــ وحزب الكرامة ــ وحزب الوفاق. وداخل كل واحدة من تلك المجموعات أجنحة كان التنافس بينها  أشخاص بالدرجة الأولى وليس حول مبادئ وأفكار. صحيح أنه كان بينهم متطرفون يصرون على استنساخ التجربة الناصرية كما كانت، ومعتدلون فضلوا اخضاع التجربة للنقد والتطوير، كما ان بعضهم ظل ملتزما بإطار التنظيم الطليعى، فى حين أن جيلا آخر من الشباب انخرطوا فيما عرف باسم أندية الفكر الناصرى، إلا أن القاسم المشترك الأعظم بين الجميع كان شخص عبدالناصر.

قبل أيام قليلة ــ فى ذكرى وفاة عبدالناصر يوم 28/9 ــ أعلنت تلك الأحزاب اندماجها فى حزب واحد قيل انه سيحمل اسم الحزب الناصرى. ولم يعد سرا ان تجاوز تلك المجموعات لخلافاتها لا يرجع إلى تقارب فى الأفكار وتنازل عن الحسابات الشخصية بقدر ما انه ينطلق أساسا من الاحتشاد لمواجهة الإخوان والسلفيين فى الانتخابات القادمة. الأمر الذى قد يعنى انه تحالف مؤقت معرض للانفراط بمجرد انتهاء الظرف الذى استدعاه.

من ناحية ثانية فإن الاسئلة يمكن أن تثار حول مدى قدرة الائتلاف الجديد على جذب أصوات الجماهير، خصوصا الشرائح التى ترى ان التجربة الناصرية تمثل خبرة ماضوية بأكثر من كونها مشروعا مستقبليا. وفيما فهمت فإن الداعين إلى إقامة الحزب أو الائتلاف الجديد يتطلعون إلى الحفاظ فى الانتخابات القادمة على الأصوات التى حصلها المرشح الرئاسى السابق حمدين صباحى (مؤسس حزب الكرامة) إضافة إلى الأصوات التى أعطيت للفريق أحمد شفيق عن غير اقتناع به، ولكن تعبيرا عن معارضة المرشح الآخر الدكتور محمد مرسى. كما أنهم يأملون أيضا فى جذب أصوات الخائفين من نفوذ الإخوان المسلمين.

الأمر الجدير بالتسجيل فى هذا السياق ان جمال عبدالناصر كان من أوائل الذين عارضوا تداول مصطلح الناصرية، حين برز فى أوساط بعض الجماعات الوطنية فى أفريقيا وأمريكا اللاتينية، وكان من رأيه أن هناك أناسا يتعاطفون مع تجربته وهؤلاء يمكن وصفهم بالناصريين حقا، ولكن من الخطأ أن تختزل التجربة فى شخصه بحيث تصبح  المبادئ والقيم الوطنية والاجتماعية التى دافع عنها مشروعا ناصريا، وهى ليست كذلك بالأساس. وقد سجل هذه الفكرة الأستاذ محمد حسنين هيكل فى بعض كتاباته، وعلى موقع السيد سامى شرف مدير مكتب الرئيس الراحل شهادة له بذات المعنى.

أدعو الجميع لأن يرفعوا أيديهم عن عبدالناصر. سواء كانوا انتهازيين يتمسحون فيه لإيهامنا بانتماءاتهم ونسبهم الوطنى، أو حواريين يدغدغون مشاعر الناس بأحلامهم سنوات خلت وعالم انقلب رأسا على عقب. لذلك أزعم أن الوفاء الحقيقى لعبدالناصر يكون بتجنب ابتذال اسمه. وبنقد تجربته بنزاهة ومسئولية، وبالدفاع عن القيم الايجابية التى ناضل من أجلها وتمثلت فى تمسكه بالاستقلال الوطنى والعدل الاجتماعى والانتماء إلى الأمة العربية ــ لأن الشخص زائل والأمة باقية.

No comments:

Post a Comment