Tuesday, October 2, 2012

خالد البري يكتب يد العلم المعضوضة



الأمى بالنسبة إلىّ -على المستوى الفردى- هو اللى بيفتى فى غير مجال معرفته. زى شيوخ الأميين اللى بيفتوا فى العلم والسياسة والاقتصاد والاجتماع، وزى جمهور الأميين اللى بيحفظ ويردد من وراهم. الإنسانة اللى مابتعرفش بتتعلم، لكن الناس اللى مابتعرفش ومش معترفة إنها مابتعرفش دول المشكلة الحقيقية. دول الأميين المدمرين. دول بيلجؤوا لحاجة من اتنين كحيلة دفاعية (بالبلدى: طريقة يخبّوا بيها مشكلتهم):
١- يدّعوا المعرفة. ولو متدينين يستخدموا النصوص المقدسة ويفسروها بطريقة تقوّى ادعاءهم.
٢- يحقّروا من معرفة اللى بيعرف. ويُظهِروا العلماء بصورة مضحكة وكوميدية. ولو متدينين يقحموا الدين برضه علشان يصنّفوا العلماء، ويكرّهوا الناس فيهم وفى العلم. وكأن العلماء دول بيسهروا الليالى ويتعبوا نفسهم علشان يحاربوا الدين! العلماء كل غرضهم البحث عن الحقيقة العلمية. بعد كده هل يتوافق «التفسير الحالى» للنص الدينى مع هذه الحقيقة أم لا، دا مش مجالهم. دا مجال رجال الدين وعليهم يحلوها. لأن العلم هيمشى لقدام، واللى رجال الدين بيشككوا فيه النهارده هيبقى بكرة -غالبا- نظرية وبعدين حقيقة. دا اللى حصل خلال الخمس قرون اللى فاتوا. ولو حصل إن نظرية علمية ثبت خطؤها فده مش لأن الدين قال إنها خطأ، لأ، لأن العلماء التطبيقيين توصلوا إلى حقائق أخرى -ده مهم جدا- قادتهم إلى نظرية أخرى. الدين مالوش دعوة بالموضوع. بكرة هاتكلم عن النقطة دى أكتر.
طيب. إحنا مجتمعنا محكوم بقيم الأمية. علشان كده العلم والعلماء مستبعدين منه. الجمهور «مش عايز كده»، بفلسفة السبكى الإنتاجية. السؤال: هل لمّا نقدم للجمهور اللى هو عايزه دا الحل؟ لا، أبدا. دا بيزوّد المرض. دا استغلال لمرض المريض علشان أدخّل فلوس أكتر فى جيبى. سواء بالفيلم الساقط، أو المقال اللى كل غرضه جمهور أكتر يحبنى. ممكن يكون جمهور «العلم والفلسفة والتفكير المنطقى» فى مصر خمسة أنفار بس، مثلا يعنى، أنا شخصيا مكتفى بالخمسة أنفار دول، لأن دول أصدقائى، اللى بتجمع بيننا حاجات مشتركة، وعقلية مشتركة. دول اللى باحب ندردش سوا. الخلاص فردى، ويعتمد على اختيار الفرد. مقالاتى، يا صديقتى، غير معنية بصناديق الانتخابات ولا نسبة اللى هيصوتوا لمين قد إيه. كثرة العدد ليست دليلا على الصواب. كثرة العدد استحقاق للحصول على فرصة فى إدارة المجتمع لعدد محدد من السنين. دا أولا.
ثانيا، كل اللى باحاول أكتبه عن العلم والفلسفة غرضه إنى أطرحه بأسلوب واحد بيحبه. عندى نظرية من أيام المدرسة والجامعة أن الكتب اللى بندرسها كاتبها ناس مابيحبوش المادة. فطالعة زى الطبيخ اللى مطبوخ من غير نفس. عارفة حضرتك الطبيخ اللى مطبوخ من غير نفس؟! والله لو كلفتيه إيه مش هيطلع كويس. إنما «بصلة المحب خروف».
ثالثا: باحاول أطرح العلم -اللى باحبه- على الجمهور علشان أقول إن العلم فيه حكاوى أحلى بكتير من الخرافات والسحر والدجل اللى مغرّقين أرصفة الأمة المصرية. فيه ألغاز اتحلت وألغاز ماتحلتش. وبالإضافة لكده كله صدّق (يعنى الحقيقة بيقولك حقيقة، والفرضية بيقولك فرضية، واللى مايعرفوش بيقول لك لسه ماعِرفوش، وهكذا). فيه أحلى من كده؟! ورّينى خيال واحد من اللى بيكتبوا الدجل والشعوذة ألّف قبل الطيران قصة عن الطيران؟ورّينى واحد فيهم ألّف قصة عن القمر والمريخ بغرابة قصة الوصول المادّى إلى القمر والمريخ؟ طبعا لما أقول «ألِّف» معناها اعتنى بالتفاصيل وخلق عالمًا منطقيا متكاملا. مش إنه قال حاجات ماتدخلش عقل طفل.
وهنا ملاحظة تهمنى. انتشار التفكير فى العلم، وبطريقة تفكير العلماء، بيأثر إيجابيًّا على حاجة تانى باحبها جدا، وباعتبرها مهنتى الأساسية. بيأثر على كتابة الرواية والإنتاج الأدبى. بيخليها تعتنى بالتفاصيل. بيعلّمها تكتب «خيال ممنطق». واخدة بالك من العبارة اللى فاتت. «خيال ممنطق». الاتنين مش ضد بعض. قولى لى إنك شفتى ديناصور وانتى جاية فى شارع طلعت حرب. بس خليكى من العناية بالتفاصيل بحيث تخلينى أقتنع إنك شفتيه. زى عربية جيمس بوند أول ما ظهرت كده.
انتشار التفكير العلمى بيأثر على الصحافة، بيخليها أكثر عناية بالبناء المحكم، بالتحقيق، بالنقد. باختصار، بيأثر على كل المجتمع. بدل الغُلب اللى احنا عايشين فيه ده!!

No comments:

Post a Comment