Tuesday, October 2, 2012

وائل عبد الفتاح يكتب توسيع الاستعمار الوطنى


ماذا حدث بعد ١٠٠ يوم من وصول أول رئيس منتخب لمقعد احتله الجنرالات ٦٠ سنة؟
بل ماذا حدث بعد أكثر من ٦٣٥ يوما على قيام الثورة ضد ما سميته «الاستعمار الوطنى»؟
بدت مصر تحت الاستعمار، لكنه وطنى، أو محلى من مصريين.. فالاستعمار هو الاستيلاء على بلد سياسيا واقتصاديا.. وإخضاعه بالقوة.. وشل إرادته السياسية.. لنهب الثروات وفرض سلطات تعطل إمكانات النمو وحرية التفكير والإبداع.
وهذا ما كان يحدث بالضبط، خصوصا فى فترة حكم مبارك.. النظام خطف البلد.. استولى عليه.. وأخضعه بالقوى الجبارة للأمن (تفوق أعداد قوات الأمن مليونًا أو مليونًا ونصف المليون فى تقديرات أخيرة).. وبتزوير الانتخابات شلت إرادة الاختيار السياسى (والإرادة لا تعنى أن الانتخابات ستأتى بالأصلح من تلقاء نفسها.. لكنها تتيح التجربة والخطأ.. وتداول السلطة).. وأخيرًا كل هذا يتم من أجل نهب مصر الرابع أو الخامس.. استعمار بكل ما تعنيه الكلمة من شعور بالقهر والعجز السياسى.
الفارق الوحيد أن الاستعمار من بين مشروعاته البناء والإعمار (منها يأتى أصل الكلمة).. لأن الفكرة هى إقامة مستوطنات خارج حدود الدولة الغازية.. وتكون امتدادًا لها فى نفس الوقت.
الاستعمار الوطنى أو المحلى فى مصر تمتع بأنانية مفرطة.. ولم يهتم بالبناء.. بل هدم وحرق وأشاع الفساد فى البلاد مثلما يقولون فى كتب التاريخ التى تتناول عصور الانحطاط.
باشوات الاستعمار الوطنى.. كانوا السبب فى حالة الحنين إلى باشوات عائلة محمد على. الناس تنظر إليهم من بعيد الآن باعتبارهم رمز الزمن السعيد. زمن بناء النهضة. وقتهم كانت القاهرة مدينة جميلة.
رغم أن نعيم باشوات الأسرة المالكة كان يصطفى دائرة صغيرة من سكان مصر ويدخلهم إلى جنة ليبراليته وحداثته.
والحياة جنة. هذا ما تصوِّره حالة الحنين الطاغية إلى الملكية. وإلى فترتها التى تسمى بالليبرالية. ربما يكون حنينًا بدون وعى.
لا يرى التفاصيل ولا يدقق فى ملامح الصورة. لا يرى الحفاء والجوع والتشرد، ومجتمع النصف فى المائة. حنين لا يهتم بالتفاصيل، لكنه ينجذب إلى زمن بعيد عن كوارث ومآسى الواقع الذى نعيشه ونخاف من المجهول الذى ينتظرنا.
فى الأيام الأخيرة لمبارك كانت الغالبية تتعلق بحلم بسيط. حلم قادم من أيام باشوات محمد على.
حلم الفصل بين مؤسسة الحكم (وفسادها وباشواتها النهّابين) وبين المجتمع (وأحزابه وأفكاره.. وباشواته الذين يبنون نهضته). حلم الدولة التى تبنى نهضة، أو التى تفكر فى نهضة، حتى ولو على الموديل الأوروبى. دولة كانت البداية. لكنها مع وصول الجيل الثالث من العسكر «مبارك.. الأول» أصبحت هى النهاية. هى أول كل شىء وهى نهايته.. هى مصنع الباشوات مصاصى الدماء الذين يديرون كل شىء لحسابهم.. باشوات يملكون ثروات متوحشة. وعقولا فارغة. وأرواحًا معتمة. أتحدث عن أغلب أغنياء الاستعمار الوطنى /المحلى. يشبهون أغنياء الحرب الذين كانوا مسخرة الصحافة بعد الحرب العالمية الثانية.. جمعوا ثروات من التجارة فى مخلفات الحروب وانتقلوا بسببها من خانات الفقراء إلى الأثرياء.. ولم تحدث معها نقلات لا فى الوعى ولا الثقافة ولا الذوق.
أغنياء الاستعمار الوطنى هم نتاج حروب النظام على الشعب المصرى. النظام الذى أنهى حروبه على الجبهات الخارجية وتفرغ للجبهة الداخلية.. وجه مدرعاته باتجاه الشعب، ربما لأن الرئيس مبارك شهد لحظة نهاية الرئيس السادات بعينيه.. وقرر أن لا يصل إليها.
وكان قرار الحرب على الداخل باب السعد والثروة لجيل جديد من أغنياء الحرب.. كوَّنوا ثرواتهم من التجارة فى الموت.. موت البلد والناس.. وكل الأحلام الكبيرة فى دولة قوية.
هؤلاء الباشوات كانوا بلا ثقافة تُهذبهم من الشهوة المتوحشة للثروة.. وبلا مشروع كبير.. ليسوا رأسمالية ولا وطنية.. إنهم شىء آخر يحتاج إلى دراسات طويلة جدا عن حركة المال فى عصر الاستعمار الوطنى.
ماذا حدث؟
هل انتصرنا على الاستعمار الوطنى؟
أم أننا وسَّعنا فقط قاعدة المستعمرين، وفتحنا الباب أمام جحافل جديدة من تجار الدين الذين يطالبون بنصيب كبير فى كعكة مصر.. بما لا يخالف شرع الله؟

No comments:

Post a Comment