Tuesday, October 2, 2012

عمر طاهر يكتب تبقى الصلوات واحدة



لا تعتقد أننى أجامل الرئيس عندما أختار هذا الأسبوع كتابًا تركيًّا فى الوقت الذى يزور فيه الرئيس تركيا، هى مجرد مصادفة، فالواحد يتجنب الحديث فى السياسة هذه الأيام ويحاول أن يعطى مشروع النهضة وبلبله الفرصة ليفرد جناحيه عسى أن يكون خيرا.
هذا الكتاب قد يشغلك قليلا ويقتل الوقت حتى يستطيع حزب النور أن يلمّ «فضايحه»، وحتى يستطيع الشيخ حازم أبو إسماعيل أن يجد حيلة للتخلص من ورطة مناظرة حمدين التى طالب بها أكثر من خمس مرات، معتقدا أن لا أحد سيقبل بها فبدأ التيار الشعبى يطالبه بمندوب عنه لترتيب المناظرة دون رد من أبو إسماعيل. الكتاب سيسلِّيك حتى ينزل وجدى غنيم بكليب جديد، وحتى يجد خالد عبد الله شخصا جديدا ليأكل لحمه ميتا أمام الشاشات، وحتى يخرج البعض بفتوى نهائية توضح إن كان ما قام به ياسر برهامى (كذب أم أنه من المعاريض كما شاع فى الأيام الأخيرة).
الكتاب اسمه «تبقى الصلوات واحدة» للروائى والشاعر التركى الشاب «تونا كيريميتشى»، هو رواية لكن فى شكل جديد، إذ تخلص المؤلف من «باشميل» الكتابة الروائية المسهبة فى الوصف والتحليل والفلسفة، واختار لنفسه منهجًا التزم به طول الرواية وهو حوار طويل بين بطلتى الرواية يتم من خلاله استعراض الحدوتة كاملة برشاقة متناهية.
البطلة الأولى امرأة ألمانية تجاوزت الثمانين تعيش فى إحدى المدن التركية، تنشر إعلانا تطلب فيه جليسة تجيد التركية، تتقدم البطلة الثانية فتاة فى العشرينيات لشغل هذه الوظيفة، ومن اللحظة الأولى نتعرف على قصة حياة كل واحدة منهما بطريقة عكسية، فالسيدة العجوز تحكى قصتها من بدايتها، بينما تحكى الفتاة الأصغر قصتها من نهايتها، وخلال الحكى تتقاطع القصتان فنكتشف ما الذى تغير فى الزمن.
السيدة العجوز يهودية هربت من ألمانيا أيام هتلر مع زوجها اليهودى التركى لتستقر فى مدينتها، والشابة الصغيرة والدها رجل أعمال شديد الثراء لكن أمها هجرتهما بعد أن عثرت على الحب الحقيقى بينما الفتاة لم يتجاوز عمرها السنوات العشر.
تتقاطع الحكايات فنفهم كيف تغيرت مواصفات فتى الأحلام فى الخمسين عاما الأخيرة، كيف تغيرت لغة المحبين وطريقة تعبيرهم عن المشاعر، كيف تغير طعم الغناء وشكل العلاقات الاجتماعية، كيف تغير مفهوم الألم الناتج عن الخيانة، بل كيف تغير مفهوم الخيانة نفسه، كيف كان الحب يعنى التضحية فى أثناء محرقة اليهود وكيف أصبح الحب مرادفا للأنانية فى الأيام الحديثة، كيف تغيرت طريقة التعبير عن النفس وتذوُّق كل شىء حولك والحدود التى يلزم كل واحد نفسه بها، تغييرات مجنونة، لكن شيئا واحدا لم يتغير طول الزمن مهما اختلف المكان أو الديانة (الصلوات)، كيف أن صلوات الكوكب واحدة وما يحلم به كل شخص فى كل ديانة واحد تقريبا، وكيف أن مناجاة الله مهما اختلفت الطريقة تبحث دائما عن حلم واحد ورغبات متشابهة.
الرواية بها سِحر إنسانى يكشف لنا كيف تعمل خلايا مخ امرأة فى الثمانين تعيش وحيدة بعد أن هجرها الأحبة بمن فيهم الزوج والابنة وبطل قصة الحب العارضة فى حياتها، وكيف تعمل خلايا فتاة فى العشرين اختارت بمحض إرادتها أن تهجر الجميع وتعيش بمفردها فى مدينة أخرى مطارَدة من قبل ثلاثة عشاق كل واحد منهم له قصته، ويكشف لنا كيف يمكن أن تذوب الفوارق بين جيلين مختلفين بكثير من الصدق وقدر متوسط من الجرأة، ثم تسير الحدوتة إلى نهاية تمنح كل ما تعلمته فى 190 صفحة طعما مختلفا.
الرواية صادرة عن (دار العربى للنشر والتوزيع)، ترجمة عمرو محمود السيد، ومن أجواء الرواية «الكلام مهم يا آنستى، الكلمات تضىء الصمت المطبق بداخلنا، حتى أكثر الآلام حدة تهدأ عندما يتم التعبير عنها بالكلمات، إن نعمة الكلام التى خصنا بها الله معجزة لا تقل فى أهميتها عن معجزة خلق الكون».

No comments:

Post a Comment